- قصة قصيرة / المهدي جاتو
- ـــــــــــــــــــــــــــــ
في كل يوم ، يحمل حقيبته ويتجه إلى المدرسة ، المدرسة ليست بعيدة
لكن العلوم التي يدرسها هي البعيدة ، كان يشاهد نفس الوجوه ، في البيت ، في الشارع
، وفي المدرسة ، حتى أيام الأسبوع كانت تتكرر والجدول الدراسي ، وسياط الجلاد أيضا
تتكرر ، فما يبدأه الأب في البيت يكمله المعلم في الفصل ، بسبب أو بدون سبب ،
والغريب في الأمر يبدو كل شيء طبيعي لكنه ليس طبيعياً ! للسياط على جسده الطري صوت
، لكن العين لا تذرف بالدمع ، فالعار كل العار أن يُفْتحُ الفم ، أن يتكلم الفم ، أن يبكي كما تبكي
النساء ، هذا ما قرأه في وصية الألم ، ووجد أيضا بأن الألم الفظيع رديف اللعنة ،
لذلك يلاحق الروح كي يلحق بالجرم أقصى أنواع العقوبة . قطع شوط في طريقه إلى
المدرسة وحيداً وهو يحمل أوزار الكتب على ظهره ، وأحمال الهموم في صدره وهو يتساءل
في كل لحظة عن سر الأيام التي لا تجلب له سوى الآلام ، هنا تذكر همسات الأم في
أذنه (( أكنز الذهب بالصمت وإياك أن تكنز الفضة بالكلام )) ابتسم وهو يعبر الطريق
ويلوح بيده إلى زميله من بعيد رداً لتحية ، ظلت الابتسامة المبهمة الحائرة عالقة ،
وهو يحللُ في ذهنه الوصية ، فقال في نفسه وأين هو الكلام ؟ لقد تم مصادرة كل شيء ،
الكلام ، والحرية ، والزمن ، أجل حتى الزمن أصبح ليس ملكه ، بحثَ في ذاكرته عن
أملاكه فلم يجد سوى الهواء .
ظلت عقارب الساعة تدور ، لكنها في كل ثانية تسخر من الجسد
الملدوغ بالسياط . اشتكى للأم فليس له سوى صدر الأم ليضع فيه همومه وما اعتراه من
علّ لكن دون جدوى ، فكلما بكت الأم ازداد إحساس الأب بالرجولة ، والمدرس يكمل
رسالة الأب .
وصل إلى صفوف العلم وأخذ مقعده كالعادة في كل يوم من
الأيام الرتيبة المملة ، أخرج من الحقيبة الكتاب أو بالأصح العدو الذي بسببه يتم
إِلآمه من قبل الإرهابيين . فالكتاب أصبح له عدو ، وفي الحِكم وجده خير جليس وخير
صديق ، انتهى اليوم الدراسي كمثله من بقية الأيام ، عاد إلى البيت إلى السجن
الرهيب ، وجد إخوته متكورين من الخوف ، ومارد الأحزان والآلام يقهقه عالياً ،
والأب يمسك بأداة الجريمة كالعادة ، فنادى في نفسه بحدة بئساً لتلك التربية و
بئساً لهذه الحياة التي تجعل الوردة والنسمة والبسمة حلم جميل تطمسه النقمة .
انضم إلى إخوته وكل منهم يحمل عدوه في يده ويقاتله في صمت
، تأمل في جدران السجن ملياً ، فوجد تساؤلات مكتوبة بخط اليد ((ما معنى الشمس..؟!
ما معنى القمر..؟! ما معنى النجوم .. ؟! )) تطلّع في عيون إخوته بنظرة خاطفة ،
فقرأ فيهم الخوف وهو يكتب الآية (( بأي ذنب قتلت )) .
مضت السنون أعواماً وأعواماً ، تغيرت الشخوص لكن الألم ظل
هو الألم لم يتغير .
مع تحيات / المهدي جاتو