قال جدّي

قال جدّي

  • أحمد جارالله ياسين

في عامي السادس ياولدي

كنت أحلم بالصعود إلى دولاب الهواء

لأرى من الأعلى .. بيتنا .. وحديقتنا ..

وجارنا الدّرويش الذي يربي القطط ..

وقميصي المدرسي الأبيض على حبل الغسيل

لكن أبي كان يأمرني بتأجيل الحلم حتى سن العاشرة

كان يخشى علي _حسب قوله _ من الإصابة بالدُّوار والغثيان

في أعلى الدُّولاب .

………….

في سن العاشرة

جاء العيد برفقة حرب طويلة

ومنعتني طائرات الأعداء من الصعود إلى الدولاب

كما أني لم استطع استئذان أبي للصعود…

لأنه كان في إحدى الجبهات

يدافع _حسب قول المذياع_عن قميصي المدرسي

ولأن أبي لم يرجع..أبدا.. من الحرب

بقيت حتى سنّ العشرين ..أرى الدولاب

ولا أصعد !

………..

في سن العشرين

وأنا أتهيأ للصعود إلى الدولاب..

ومعانقة الهواء بشاربين عريضين

منتظرا في طابور طويل ….

تغازل الريح قميصي الأبيض ..

همس في أذني شرطي عجوز:

(عيب عليك ..هذا الدولاب للأطفال.. وليس للرجال)

كدت اختنق حرجاً

وانصرفت بعيداً ….. قلبي يبكي ..

وقميصي يرفرف كرايات الاستسلام

و لساني لم يتوقف عن شتم ذلك العجوز ..

………..

في سن الأربعين ياولدي

تناسيت الدولاب …

واقتنعت باستنشاق الهواء

فوق سطح البيت.. بـ (دشداشة ) بيضاء

استذكر بها سرا قميص المدارس..والطباشير

لكن صوت جدتك الجهوري

وهي تأمرني بالنزول احتراما للجيران..

أرعب الهواء ..والـ ( دشداشة )

وجعلني أتدحرج

 نزولا

 على عشرين درجة

بثانيتين …… !.

………….

لكن قبل عامين ياولدي

وقد دارت بي السنوات ..حتى بلغت السبعين ..

وأنا أغفو وحيداً في البيت

حاولت من جديد الصعود إلى الدولاب

في الحلم

ونجحت بصعوبة .. من دون العكاز

لكنّي.. وأنا أجلس في مقعدي بالدولاب

وأمدّ بصري – لأول مرة – من الأعلى .. نحو الأرض والآفاق .. والهواء

حزنت كثيرا جدا….

……………..

فقد رأيت من بعيد

آلافاً من جثث الأحلام البيض

التي دفنها : أبي وذلك الشرطي العجوز…. وجدَّتُك !

بعيدا عني …

بحجة الدّوار والغثيان …

والحرب…

والعيب …

واحترام قطط الجيران! .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :