قراءة في كتاب : “الحماية القانونية للحق البيئي : دراسة تأصيلية مقارنة”

قراءة في كتاب : “الحماية القانونية للحق البيئي : دراسة تأصيلية مقارنة”

  • الحقوقي : أحمد محمد بيوض

    المؤلف : د. الجيلاني عبدالسلام ارحومة

    الناشر : دار الزين للكتاب (الأبيض – فزان – ليبيا)، طبعة أولى 2008م

    قراءتي للكتاب :

    في الأول من فبراير من عام 1953م، غطت المياه الجزء الشمالي الشرقي من اليابسة في قارة أوروبا، بعد أن جرفت الأمواج مدناً ساحلية في إقليم “زيلاند” (في البلطيق) و في بحر الشمال (الجزء الشمالي من الجزر البريطانية) و في هولندا كذلك، كانت كارثة طبيعية، أوقعت حوالي 2500 قتيل في ليلة واحدة، كانت أول مجزرة بشرية بدون إطلاق رصاصة واحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان غضب الطبيعة، تساءل البعض؛ هل تعتبر الطبيعة هي الجاني في هذه الكارثة ؟ أم أن البشرية هي الجاني بعد استفزازها للطبيعة في مرحلة التقدم الصناعي؟

    دوّى تصفيق حار و استثنائي في قاعة مجلس حقوق الإنسان، كان ذلك في الثامن من أكتوبر عام 2021م، بجنيف، فالمعركة التي خاضها النشطاء البيئيون، المدافعون عن الحق البيئي؛ قد انتهت بنصر جزئي أخيراً، تم الإقرار – في أحد المجالس التابعة للأمم المتحدة – بأن التمتع ببيئة صحية و مستدامة؛ حق عالمي.

    في ذلك الوقت، اعترفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بأن التدهور البيئي، و التغير المناخي؛ قد أضحى خطيراً، و تبعات ذلك قد تمس بحقوق الإنسان الأساسية على المدى البعيد، لكن هذا الإشهار بأهمية الحق البيئي للإنسان ربما قد جاء متأخراً على المستويات الرسمية، إلا أن أقلاماً و نشطاءً عدة نبهوا إلى عواقب تمادي البشرية في استنزاف الطبيعة ” الجيلاني عبد السلام ارحومة” في كتابه هذا – موضوع القراءة – و الذي جاء بعنوان: “الحماية القانونية للحق البيئي : دراسة تأصيلية مقارنة ” الصادر عن دار الزين للكتاب (الأبيض – فزان – ليبيا)؛ كان أحد الذين سبقوا عصره في هذا المجال حيث نبه إلى أهمية تضمين الحماية القانونية اللازمة للحق البيئي في التشريعات الوطنية و الإقليمية و الدولية.

    ” البيئة مجال عام و مباح و يعيش فيها الجميع، و بذا فهي قيمة عامة “هكذا لخص دوافعه للكتابة في هذا المجال، لذلك يجب ألا تعلو المصلحة الشخصية على المصلحة العامة في هذا السياق.

    ما جذبني إلى هذا الكتاب أنهُ سابقٌ لعصره، و مخطوطة نادرة تنبأت بخطورة موقف الطبيعة في محيط البشرية باكراً، فجداله يطرح أسئلة عدة، حيث يمكن للإنسان أن يصنع مركبة آلية برية توصله إلى مدينة تبعد عن مدينته 200 كيلومتر في ساعة و ربما أقل ! يمكن للإنسان أن يصنع مركبة فضائية تضعه على سطح القمر، لكن في الحالتين، هذا التقدم السريع، على حساب من يا ترى ؟ ذلك التوسع العمراني المبرمج وغير المبرمج، الغطاء النباتي الذي يتآكل سنوياً، و ظاهرة التصحر المستفحلة.

    كيف نحمي البيئة بالقانون من كل ذلك، فسلامة الغذاء و المياه و الهواء من التلوث، و الحق في السكينة العامة ( التقليل من الضوضاء)، كل ذلك مجتمعاً؛ يصنف أنه من أبرز حقوق الإنسان، كيف تطور القانون الدولي منسجماً مع ظهور أهمية التأسيس للحق البيئي، و ما هي المعاهدات و المواثيق و الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، أي دور للبعد الروحي (المذهب الإسلامي) في مسألة المبدأ البيئي في حقوق الإنسان، كلها مواضيع تضمنها هذا الكتاب .

    جاء هذا الكتاب في أربعة أبواب، قُسم كل باب إلى فصول، و الفصل إلى مباحث، و المبحث إلى مطالب، و المطلب إلى فروع، بذلك أعطى الباحث كتابه – بهذا التنسيق – طابعاً أكاديمياً بحثا، قبل ذلك قام بوضع مقدمة للدراسة، تضمنت؛ موضوع البحث، أهداف البحث، أدبيات البحث، و منهجيةً للبحث، تلا تلك المقدمة، فصل تمهيدي للكتاب استعرض فيه أبعاد المشكلة البيئية، و جاء في مبحثين .

    تعرض الكتاب في الباب الأول إلى ” مفهوم الحق” بشكلٍ عام، التعريف بهِ في الفقه الوضعي للقوانين، و التعريف بهِ لغةً، و جذوره في الشريعة الإسلامية، و بعد ذلك أفرد مساحةً يسيرة للتعريف ” بالحق البيئي” و أسس الحق البيئي و أنواعه، كما أن مؤلف الكتاب كان قد وضع تعريفاً – لما اعتبره بتعريف حديث – للحق البيئي، منتقداً تعريفاً آخر – تعريف معياري عند بعض المختصين – للبلجيكي (دا – بان) في حين تعرض في الباب الثاني من الكتاب إلى موضوع الجريمة البيئية، من باب تعريفها و أركانها (الشرعية – المادية – المعنوية) و مصادر التجريم البيئي في القوانين الليبية و السودانية و المصرية بمقارنة تأصيلية أخلصت لمنهج الدراسة و موضوعها .

    عن الكتاب، في بابه الثالث؛ لم يحِد الباحث بعيداً عن مذهب الباب الثاني، فقد حدد فيه المسؤولية عن الجريمة البيئية و موانعها، جاءت مجتمعة في ثلاث فصول، في حين أشار في الفصل الأخير من الباب الثاني إلى مسألة الندم الإيجابي، و التي يقوم فيها الجاني بمحاولة إزالة أو تحجيم الضرر الذي لحق بالبيئة نتيجة فعله الذي شكّل جريمة وفقاً للقانون، و قد أشار الباحث كذلك إلى سابقة عربية في هذا المجال تصدرتها ليبيا بتضمينها للنظام الندم الإيجابي كمانع جديد للمسؤولية الجنائية للجرائم البيئية وفق القانون رقم (15) لسنة 2003م بشأن حماية و تحسين البيئة، حيث يباشر الجاني قبل التحقيق معه في القيام بجمع و إبعاد الضرر عن مصدر المياه و إزالة كل آثاره في المكان المتضرر، وضع مؤلف الكتاب تقييماً لنظام الندم الإيجابي، جاء في ثلاث مميزات، و في عيوبهِ؛ أشار إلى نقطتين .

    ” الحق الذي لا دليل له، حق ضائع، فالحق الذي لا تحميه دعوى حق، لم يولد بعد أو أنه ولد ميتاً “، بهذه الأسطر؛ افتتح الباحث الباب الأخير من الكتاب، و الذي جاء في ثلاث فصول، تحدث فيها عن الدعوى البيئية (مفهومها و قواعد الاختصاص النوعية و القيمية في الدعوى البيئية المدنية، و إجراءات الدعوى البيئية و الحكم البيئي في القضاء المستعجل و الأقضية التي يُفصل فيها على وجه السرعة)، حيث قارن بين القوانين الليبية و السودانية في هذا المجال، و شدد على ضرورة تضمين ما تأخر تضمينه في هذه التشريعات .

    بشكلٍ عام، صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 2008م، في قالب علمي بسيط، على الرغم من صرامة المنهج الذي ارتكز عليه الباحث، فالمؤلف

    فالمؤلفات التي تتوخى الموضوعية و الحياد، تستوفي شروط الدراسات الأكاديمية، و في هذا المجال ربما لا تكون هذه كتباً شعبية، أي أنها مادة للمختصين، في هذا الكتاب وجدت توازناً بين الطابع الأكاديمي في الترتيب و المنهج، و البساطة في الأسلوب و الإخراج، بذلك؛ يصح لكل من قرأه أن يستوعب مضمونه، الكتاب جاء في (448) صفحة، بتغليف عادي، و تنسيق وطباعة و جودة ورق مقبولة، موضوع جذاب و سابق لعصره في سنة صدوره، أعتبره إضافة للمكتبة العربية بشكلٍ عام و الليبية بشكلٍ خاص.

    شـــارك الخبر علي منصات التواصل

    صحيفة فــــسانيا

    صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

    شاركنا بتعليقك على الخبر :