(عبد الحق امحمد القريد)
ترتبط قيم المواطنة والامن المجتمعي ارتباطا وثيقا، حتى انك لا تستطيع أن تتحدث عن قيم المواطنة دون الذهاب الى الامن المجتمعي، الذى يعتقد البعض أنه أمر مناط بالأجهزة الامنية، وقد يتحسس البعض منه، لما تراكم لديه من شعور بأنه مراقب من قبل أجهزة الدولة الامنية التي تفسد عنه خلوته وتراقب تصرفاته وتتبع حركته وتقرأ ما يكتبه من افكار، لعلها تجد ما يعارض فكر الحاكم أو يتعارض وأمن الدولة، ومن هنا كان الصراع بين الدولة ورجال الأدب والفكر والصحافة والمثقفين والمفكرين، حيث تنحاز النخب المثقفة إلى المواطن، بينما تسعى الدولة للسيطرة على هذا المواطن لتجعل منه فرداً تابعاً طاءعاً ودوداً كالخروف همه ظل وشربة ماء وقبضة من عشب، بينما المثقف والمتعلم يريد وطن تتكامل فيه حركة المجتمع بحركة أفراده، ومن تم يوحى من خلال حروفه كلما سنحت له الفرصة بالإجهاز على زوار الفجر كما وسمهم، بدل ان يسعى من خلال ما يكتب إلى سبر غور الداء وتشخيص حالة الحاكم من خلال رسم سياسة الرقى وايضاح طرق النجاح ورفع مستوى الخصومة الى نقاش هادف بناء بغية لفت نظر الحاكم الى أهميته كمواطن يحب وطنه وليس دكتاتور يبسط سيطرته على العباد والبلاد، وحتى الانعام وما فوق الارض وما تحتها ليقترب من أنا ربكم الأعلى كل هذا متعلق بقيم المواطنة الذى يتداخل مع الأمن المجتمعي، ويتضح مقدار التعانق بين المفردتين .
ونحن هنا بهذا المقال نناقش المفردتين في غياب الحاكم وبقاء المحكوم الذى كان يخشى الحاكم ويشك أن كل برنامج أمنى هو من وضع الحاكم وفى صالحه، اليوم اختفى الحاكم نهائياً فتشكل واقعا مغايراً لنظام الدولة ومؤسساتها، وغابت مؤسسات الدولة والتي في مقدمتها الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، فانفرط العقد واختل التوازن، وفى خضم انتشار السلاح وتشكل قوات خارج القانون وشرعنت نفسها كأمر واقع وظهرت بالشارع على أنها تملك مقومات الضبط والربط، وظهور اشخاص أرادوا إعادة كيان الدولة وفق رؤية الدكتاتور واقنعوا انفسهم بأنه لا سبيل لعودة الدولة إلا بالسيطرة على الجميع، وأرادوا فرض ارادتهم على الأخر بقوة السلاح مستعينين بقوة خارج الحدود، وأقنعوا كثيرين أنه لا سبيل للسيطرة إلا بالقوة ولا توفر للقوة إلا بمساندة اجنبية، وهذا البحث عن الأمن المجتمعي ضيع الأمن وضاعت تبعاً له قيم المواطنة لأن الاستعانة بالغريب فتحت الأبواب جميعها لدخول الغريب لغة وثقافة وسلاح ومال وتجارة ولباس وتصرف وخلق ودين لقد انهار الجدار العازل بيننا وبينهم، فدخلوا بكل أدواتهم وفجورهم وأفكارهم وصرعاتهم وموضاتهم، من الكنتاكى الى مسابقة جمال القطط ناهيك عن كل ما يمس الخلق والقيم والعادات والتقاليد، وصنعوا من شبابنا جنود يتقاتلون ويقاتلون بدون هدف، وأصبح غاية الشاب سيارة مسلحة وبندقية وبوابة، وترك بناء الوطن وقيم الانتماء، لأن ولاءه لمن سلمه سلاح ومرتب وقيافة تجعل منه شخصية يخشاها الأخرون وتفرض احترامها بالتخويف وليس بالاحترام، وتحول انتماء مجموعات الى أرقام كتائب مسلحة لا تفهم معناها، ومن تم خلق هذا المناخ المفعم بالتحدي والانتقام والقتل والتحارب شعورا عدائيا، يعادى كل ما يقف أمامه ولو شجرة أو رصيف أو شارة ضوئية، وأصبح الاحترام ليس لقيمة الانسان كونه مثقف أو معلم أو مهندس أو طبيب أو شيخ جامع أو رجل طاعن في السن أو امرأة مسنة أو أم وأخت وزوجة، إنما الاحترام لمن يملك بندقية وينتمى لتشكيل مسلح أو يقود سيارة مجهزة، احترام خوف وليس تربية وقيم ودين .
من هنا لتشريح وتشخيص حالة المجتمع لابد ان نعود للوراء ونراقب التغيرات ونضع الحلول التي تخدم كل فرد ونراجع التصرفات ونبحث اسبابها لنعالج معالجة جدرية كل ما كان وحدث من تداعيات ثورة كانت واجبة الوقوع ولكن فقدها لمقومات القيادة هدمت كل شيء دون بناء شيء، ولنبدأ الأمن كان لحماية النظام الحاكم ذهب وسقط ومات النظام السابق، إذن الامن بات أمننا وأمن أرضنا وحدودنا ومواردنا وثرواتنا وترابنا وشعبنا وشبابنا وبناتنا وأطفالنا ومدارسنا ومصانعنا وجوامعنا وشوارعنا وقرانا، لأن الحاكم ذهب وبقينا نحن المحكومين تقاتلنا دفاعاً عنه وحرباً له، فعلاما نتقاتل الأن ولماذا نضيع أمننا المجتمعي، وتفقد قيم المواطنة فينا، تعالوا نزرع في شبابنا كره السلاح وحب العمل، لماذا تقولون تضم التشكيلات المسلحة الى الشرطة والجيش ؟ لماذا لا نقول ننشئ لهم مصانع ومزارع ومعاهد، لنؤهلهم للانطلاق لخوض تجارب البناء والابداع؟ لماذا لا نسلم لكل تشكيل مسلح شركة زراعية أو صناعية أو مقاولات لتقوم بنفسها بتعبيد طرق وبناء صروح رياضية وسياحية او مصانع استراتيجية كبيرة أو مزارع انتاجية، وكل هذا يجعل منهم مجموعات منتجة تمول الدول بدفع ضرائب انتاجها وتستقر، لماذا لا ننشئ لهم معاهد متخصصة تخرج عمال مهرة وصناع متدربون؟ لماذا لا نصنع منهم قوة منتجة تعتمد على نفسها وتخلق مجالات لزملائهم الذين اصيبوا في حروب لم يخططوا لها ولم ينجوا منها فهم من سيشرف على رفاقهم المصابون في معارك اشتركوا فيها معاً، ولديهم أصدقاء ورفاق تركوا عائلات؟ فهم من سيتولى رعاية هذه العائلات وفاء الاصدقاء ورفاق كانوا معهم، وهكذا نجد تصالح يفرض نفسه، من خلال برنامج تنموي كبير وواعد، وخذوا أسلحتهم لصهرها، وسلموها لهم مواد بناء وليس أدوات قتل، لقد قتلنا أولادنا ونحن في حاجة لهم .
هذا التسارع في مختلف الاتجاهات بهذا المقال فرضته ظروف المرحلة الراهنة، وهو يؤكد أننا جميعا نطمح إلى الافضل، ولكننا نفتقر إلى الأسلوب الامثل للوصول إلى هذا الافضل اذن لنعتبر هذا المقال مجموعة افكار ومشاريع تحقيق مبدأ المواطنة، وتوفير أمن مجتمعي بأسلوب وطريقة متميزان دون استيراد لتجارب مجتمعات اخرى، لأن كل مجتمع وله خصوصياته ونمط حياته وطريقة عيشه، ولنعلم أن الوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة يمر عبر التصالح مع الذات، وإن بناء الدول يمر عبر بناء الفرد، وأن حب الوطن يتم غرسة في صيص الاسرة، وأن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، وأن الفضيلة تربية والتسامح سلوك واحترام الأخر عنوان العقل الراجح، وأن مؤسسات المجتمع هي مؤسسات الدولة، وأن الجيش المحترف يشارك في البناء عند السلم، ويتولى القتال دفاعاً عن الارض أثناء الحرب، وأن الشرطة عنوان نجاح الدولة والأجهزة الأمنية عين ساهرة على المواطن، وتتبع ما يتسلل للأضرار به وليس للقبض عليه ينتقد سلوك الحاكم، فالأجهزة الامنية تتطور ليس بتطور الجريمة كما علمونا من قبل، ولكنها تتطور بقدرتها على تتبع خطط وبرامج العدو، الذي غير استراتيجية المواجهة إلى استراتيجية افساد الدمم والاخلاق عبر برامج الانترنت، ودعم مؤسسات المجتمع المدني وحرية الرأي وحقوق الانسان والتنمية المستدامة والديمقراطية والمساوة وحرية المعتقد الديني ورفع القيود المفروضة على الناس وفق العادات، ورفع غطاء الحشمة والوقار، والتخطيط لهدم معالم المجتمع المسلم، وتقليد الغرب ونشر الرذيلة والفساد، ونصرة الطبقات الفقيرة كما يدعون زوراً وبهتاناً، فنحن من شرع ديننا الزكاة ونحن من حرم ديننا دماءنا وأموالنا ونحن من نحمل قيم أصيلة حتى قبل الإسلام من الكرم والمروءة واغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وردع الظالم، ونحن لانقتل أولادنا خشية املاق، فكيف نرضى لان تنطلي علينا الحيلة ونقتلهم بحجة حماية الثورة وحماية الوطن وبسط السيطرة، أيعقل أن ندفع بعماد البلاد وسلاح تقدمها ورقيها لنقتلهم في محورين محور استخدام السلاح خدمة لأجندات نعرف جميعاً أنها خارجية، ونقتلهم بقتل الوازع الديني فيهم وافساد سلوكهم ودفعهم للمؤثرات العقلية والفساد والفسق الخلقي، فهم هناك يموتون مرة وهنا يموتون مرات .
علينا لغرس قيم المواطنة والأمن المجتمعي أن نقتنع أننا أقارب وأشقاء وأخوة ديننا واحد ووطننا جميعاً ليبيا لابديل لنا عنها، وأن خلاف هذا هو اختلاف مضر سيجر علينا مزيد ضرر، وأن ليبيا ستكون دولة إذا قررنا ذلك، وستكون وكر لكل فساد ومرتع لكل الاعداء، إذا اهتم كل فرد منا بنفسه وهمته مصلحته وأراد المال من حله وحرامه، ولنعلم أن الرزق من الله وأن الدار الاخرى هي الغاية والهدف جنات عرضها السماوات والأرض لن ندخلها ما دمنا بعيدين بتصرفاتنا الدنيوية عنها .
اللهم ارزقنا حلال طيباً واجعلنا من المخلصين لله والوطن، وغاية المسلم سعادة الدارين، إننا نحب ليبيا موطناً، فلا تفجعنا يا رب في وطننا وإزرع المحبة بيننا والأمن والأمان للوطن والمواطن(اللهم آمين) .
(عبد الحق امحمد القريد)