تقرير :: زهرة موسى :: موسى عبد الكريم
كثيرة هي قوافل الإغاثة المحملة بالمؤن الغذائية وأحيانا الأغطية والأفرشة ، التي نراها محملة على شاحنات كبيرة الحجم عبر شاشات التلفاز ، أو داخل أحياء المدينة متجهة إلى بقية مدن الجنوب بعد دخولها لسبها من غرب البلاد وشرقها ، وفي ظل تردي الظروف الاقتصادية في المنطقة وسوء الأحوال المعيشية ، نرى الكثير من المواطنين يطالبون بها ويتوجهون إلى مراكز توزيعها وأحيانا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ، بينما يظل الكثير من مستحقيها متعففين لا يصلهم منها شيء ، فهل تصل فعلا هذه الإعانات إلى مستحقيها? أم أنها تسلك طريقا أخرى?.
يأْتِينَا فِي بَـعْضِ الأَحْـيَان أَشْخَاصٌ مُـحْـتاجُون بالِـْفعْلِ وظُـرُوفُهمْ الْمَـعِيشِيٌة تحْتَ خطٌ الْفَـاقة
تقول : خديجة عمر سيدة تعمل بشكل فردي وبلا منظمة على توزيع الإعانات حسب ما يتوفر لها عن طريق تواصلها مع بعض الأشخاص والجهات العامة والخاصة وحتى منظمات دولية ومحلية يأتينا في بعض الأحيان أشخاص محتاجين بالفعل وظروفهم المعيشية تحت خط الفاقة .
ويقابلنا في أحيان أخرى أشخاص وضعهم المادي جيد لكنهم يصرون على أخذ ما يسمونه حصتهم من الإغاثة ، وفي حقيقة الأمر أولئك يربكون المشهد وتواجدهم قديم ففي السابق عندما كانت تأتي المساعدات والأضاحي عن طريق الشؤون الاجتماعية وأقصد هنا في فترة النظام السابق كان والد صديقتي وهو رجل وضعه الاجتماعي ممتاز كان يزاحم الفقراء ويطالب بحصته من الإعانة .
وكنا نستغرب كيف يسابق رجل مثله المحتاجين لأجل أضحية أو بعض المواد الغذائية .
وتضيف : أذكر في العام الماضي وبعد أن قمنا بتقسيم بعض المساعدات على عدد من الأسر ، التي لا أخفي أن مستوى احتياجها كان متفاوتا تفاجآت بإحدى الجارات تطرق بابي معاتبة ومزمجرة وهي تقول كيف لا تحسبي حسابي في المعونات. أخبرتها أن هذه الإعانات فقط للأسر المعدومة فأنت منها فردت علي أنا أستعد لزفاف ابني لذلك أجمع ( التموين ) ..!!
البعض يفكر في قوت يومه والبعض يأخذ أكثر من حاجاته في بلد أصبح كل من فيه محتاج ولعل مساعدات دول عديدة كقطر وتركيا وحتى الجزائر خير دليل وعام لزايد وعام لغيره فمتى يكون عام الوطن والمواطن المنكوب? .
سبها التي تعاني وضعا أمنيا مترديا تستقبل شهر رمضان المبارك بكثير من العياء والعوز وأنا أتبادل أطراف الحديث مع إحدى القريبات وهي موظفة شابة ذات دخل جيد سألتها هل تدليني على بعض الأسر مستورة الحال فأجابت فورا لا تنسي أن تحسبي حسابي لو كان فيه إعانة أو مساعدة . وفي اتصال هاتفي مع السيد عيسى بشير جلغم مدير جمعية سندهم للأعمال الخيرية ، أكد لي أنهم لن يقدموا هذا العام أي مساندة للأسر التي تعودت على منحهم وتعودوا على التواصل معها ومساندتها قائلا :
الحقيقة الظروف المعيشية هذا العام صعبة للغاية السيولة غير متوفرة ، لذلك لم نتمكن من أداء واجبنا اتجاه إخوتنا ففي العام الماضي تبرع أعضاء الجمعية بتجميع مبلغ مالي واشتروا به سلعا تموينية وقمنا بتوزيعها على المسجلين لدينا .
وأضاف : للأسف هناك ثقافة سائدة في مجتمعنا وهي ثقافة سيئة تجعل الكل يعتقد أن الإغاثة جاءت من الحكومة وأنها حقه وفي العادة أصحاب هذا المعتقد لا يحتاجون للإغاثة ووضعهم المادي جيد جدا ، وأذكر أن بعض من يأتي للشؤون الاجتماعية بسبها أو لمقر مؤسسة الطاهر الزاوي يستقل سيارات فارهة ، وبطبيعة الحال هو غير محتاج وهو يعتقد أن مصدر هذه الإعانات الدولة وبتالي حقه أن يأخذ أي شيء يأتي من الدولة وهو معتقد خاطئ الكثيرون هنا أبعد ما يكونوا عن ثقافة التبرع ، أو ترك الحاجة لمستحقيها ، الحقيقة هذه الثقافة مزعجة للغاية .
الْبَـعـْضُ يُـفَكٌرُ فِي قُوتِ يَـوْمهِ والْبَعْضُ يَـأْخُذ أَكْثَر مِنْ حَاجَاتهِ فِي بلَدٍ أصْـبَحَ كلٌ مَن فِيهِ مُـحْـتَاج
وأشار : حاولنا زيارة بعض المدارس في محاولة لتغيير هذه الثقافة في نفوس الأطفال واستبدالها بثقافة المنح والتبرع والتطوع ، ووجدنا سعادة بالغة ترتسم على الوجوه عندما يتبرعون لغيرهم .
وفي سؤالنا له كيف تغلبتم على مشكلة عدم وصول الإعانات لمستحقيها أجاب جلغم : شكلنا فريقا من السيدات يقوم بزيارة المنازل لمعرفة المعوزين الحقيقيين وحصرهم وبدأنا نتحرى بشكل كبير جدا خاصة عندما نخرج قيمة الزكاة أصبحنا نقول للعاملين معنا عليها أن هذا الأمر أمانة وسيترك في رقبتك وعليك أن تتأكد من حاجة الشخص بالفعل لها ، ومن خلال هذا العمل أصبحنا نختار أشخاصا بمواصفات معينة تنطبق عليهم النزاهة والمصداقية بالدرجة الأولى للتواصل مع المحتاجين الحقيقيين أفادت ” زهرة أبوبكر : ” طالبة جامعية ” بعض الجمعيات توصل الإعانات إلى مستحقيها أما البعض الآخر تستغل حاجة المواطنين لتقوم بالدعاية بأنها تساعد المحتاجين ، و تقوم بتصوير المواطنين أثناء استلامهم الإعانات ، و بهذا الشكل يحرجون المواطن بالرغم من كونه مستحقا لهذه المساعدات لكن لن يرضى بأن تخدش كرامته من أجل الحصول على المساعدات فلهذا يمتنعون عن أخذها أو التواجد في أماكن توزيعها ، من المفترض أن تقوم الجمعيات ببحث و مسح المنطقة و تحديد الأسر المحتاجة حقا حتى تصل المساعدات إلى من هو حقا بحاجتها
أعربت ” نجاح صالح ” طالبة جامعية ” الكثير من المؤسسات التي تدعي بأنها تقدم الإعانات يتصلون بأقاربهم و معارفهم وباقي المساعدات يقومون ببيعها في المحال التجارية ، و بالفعل في إحدى المرات ذهبت لإحدى المحال الغذائية و وجدتهم يبيعون البضائع التي تم جلبها كمساعدات و كانت الصناديق تحمل شعار إحدى الجمعيات ، ولهذا المساعدات في أغلب الأحيان لا تصل لمستحقيها .
أضافت ” ليلى علي ” لا يمكن أن ننفي كون الإعانات تصل لمستحقيها ، فالوضع الذي نمر به الآن يجعلنا كلنا مستحقون للإعانات ، و لكن بالطبع هناك فئة هي الأكثر استحقاقا لهذه المساعدات ، وهذه الفئة يؤسفني أن أقول بأن المساعدات و الإعانات لا تصلها إلا بشكل نادر ، في الغالب هذه الفئات لن تفصح عن حاجتها للمساعدة ، إلا إذا عرف أحدهم بالصدفة عن وضعهم و لهذا يجب أن تبحث تلك الجمعيات عن الفئات الأكثر استحقاقا للإعانات و تقدمها لهم ، و للأسف الآن هناك الكثير من الناس يندرجون في هذه الفئة بسبب الأوضاع الاقتصادية للبلاد بشكل عام . ذكر ” أحمد صالح ” الإعانات والمساعدات لا تصل في أغلب الأحيان إلى مستحقيها و إن وصلت لا تصل كاملة تلاعب المسؤولين عن التوزيع من مؤسسات إنسانية و غيرها لأن الربح في الأولوية وليست الإنسانية كما يدعون .
أشار ” عيسى عبد الله” في الحقيقة بعض المساعدات لا تصل للجميع فهناك الكثير ممن ينتظرون أن تقدم لهم الإعانات وهم بأمس الحاجة لها و لكن لا تصلهم و أنا شخصيا أعرف بعضا منهم معرفة شخصية . أفاد” و بعض المواطنين فقدوا الأمل في وصول تلك الإعانات لهم كذلك الأسر الأجنبية المحتاجة فالأجانب أيضا من المفروض أن يحصلوا على هذه المساعدات لأن الصدقات لجميع المسلمين وليست حكرا على أصحاب الأرقام الوطنية فقط كما تفعل بعض الجمعيات
يـَأتينـَا أحْـيَانا أشْـخَاص يَـسْتَقلٌونَ سَـيٌاراتٍ فَـارهةٍ ، وبَـطَبِيعةِ الْـحَالِ هُم غيْـرُ مُحتاجين
نوه ” مررت بتجربة في رمضان الماضي إذ طلب مني صديق ناشط بإحدى المنظمات الدولية أن أسجل له أشخاصا وعائلاتهم المحتاجة وفعلا سجلت بعض العائلات منهم نازحون من تاورغاء ومن سبها وكلهم مواطنون وأماكنهم معروفة ولكن لم تصل أي مساعدات لتلك العائلات ولم يبرر موقفه وأصبحت أنا في موقف محرج جدا ، اتصلت بصديقي لأسأله لماذا لم تصل الإعانات ، فقال بأنه هو أيضا وضع بموقف محرج مثلي لأن المنظمة لم تقم بتوزيع الإعانات . قال ” موسى إبراهيم ” أنا عن نفسي أعتقد بأن المساعدات لا تصل إلا لبعض الأشخاص و البعض الآخر لا تصلهم أبدا و ذلك لأن هناك أطرافا خفية مستفيدة بالدرجة الأولى من المساعدات و تقوم ببيعها ، ولهذا لا تصل الإعانات لمستحقيها.
أعرب” أحمد التواتي ” تصل المساعدات لبعض المستحقين وليس جلٌهم ، و أنا لكوني ناشط مدني شاركت عدة مرات في التنظيم لحملات إغاثة ، ولكن لم أتواجد أثناء التوزيع ، وبحسب علمي وصلت تلك الإغاثة للفئات المخصصة لها .
أظهر ” لم أشارك هذا العام في أي حملات رمضانية ، ولكن قمنا مؤخرا بالمشاركة في حملة إغاثة للنازحين ، و الحمد لله كانت ناجحة ووصلت لمستحقيها.
قال : الإعلامي محمود بن مصباح أغلب المساعدات لا تصل إلى مستحقيها وخير دليل على ذلك محلات بيع المواد الغذائية ستجدون بها المواد الغذائية وعليها ملصقات الإغاثة ، الأمر لم يعد سرا ، بينما تعاني عشرات الأسر من قلة الدعم بل من وضع معيشي بائس ومأساوي ، أغلب القائمين على الإغاثة يقومون ببيعها.
أفاد ” مصري عمر علي معلم ” أغلب المساعدات لا تصل لمستحقيها ، لأن المسؤولين عن توزيعها يبيعونها أو يستفيد منها أقاربهم و معارفهم ، فأذكر في إحدى المرات جاءت جارتنا تسأل عن أصحاب شاحنة كانت تقف بالقرب من حيهم ، مليئة بالسلع الغذائية ،وكان وضعها المادي ضعيف جدا بحيث لا يقوون على توفير قوت يومهم ، كانت الفتاة تبحث عن أقرب شخص لأصحاب تلك الشاحنة علها تحصل على بعض السلع و مررت بنفس الشارع رأيت الشاحنة المليئة بالسلع الغذائية ، و كتب عليها ” أيادي الخير تمتد لأهلنا بسبها ” ، فور قراءتي لهذا الشعار أيقنت بأنها مساعدات و إغاثة للمستحقين بسبها ، فوقفت بالقرب منها وقلت لهم بأني أعرف عائلة محتاجة جدا ووضعهم المادي ضعيف
للأَسَفِ هُـناكَ ثَـقَافة سَائِدَة فِي مُـجْتَمعنا تَـجْعَـلُ الكُـلٌ يَـعْتقدُ أنّ الِإغَـاثةَ جَـاءَتْ منَ الْـحُـكُومةِ
فأجابني أحد المسؤولين عن الشاحنة بأنها ليست للإغاثة بل هي سلع لإحدى محلات البيع بالجملة ، ورجعت في المساء لنفس الشارع مرة أخرى فوجدتهم يقومون بتوزيع السلع الغذائية على أشخاص معينين ، تحدثت إليهم مجددا لمساعدة تلك الأسرة فإذا بأحدهم يقول بأن هذه الإغاثة مخصصة لعائلته فقط . أوضحت ” خديجة صالح جبريل علي” لا أعتقد بأن المساعدات تصل لمستحقيها ، بل دائما ما يتقاسمها منهم بغنى عنها ، أو يوزعوها على أقاربهم و معارفهم و أصدقائهم ، وهذا يدل على عدم المصداقية و موت الضمير و الإنسانية لدى هؤلاء الأشخاص .
أظهرت ” عزيزة ناجي ” في الحقيقة يؤسفني القول بأن أغلب المساعدات لا تصل إلى مستحقيها وهذا عن تجربة ، فأذكر بأنه قبل عدة أعوام بعد حرب “التبو و الطوارق بسبها ، جاءت شاحنتان مليئتان بالمساعدات و الإغاثة لسبها و تم وضعها ببيت الثقافة سبها ، في البداية ثم توزيعها على البعض و الباقي أخذه من هم ليسوا بحاجة لها ، مثل الموظفين و بعض رؤساء الأقسام ، وعندما جاء مستحقوها لم يحصلوا على أي شيء من تلك المساعدات ، هم ليسوا بحاجتها و ليس من حقهم أخذها ، فهذه المساعدات جاءت لتقدم لأشخاص أكثر حاجة منهم .
أشارت ” مريم أحمد ” طالبة ” بالنسبة للمساعدات فأنا أعتقد بأن بعض الخيرين الذين يقومون بجهود فردية يوصلونها لمستحقيها ، لأنهم بالفعل يشعرون بذلك المواطن غير القادر على توفير قوت يومه و يشعرون حقا بحجم معاناة الناس، ولكن بالنسبة للمؤسسة و الجمعيات الخيرية فأغلب تلك المساعدات لا تصل لمستحقيها ربما الخلل يكمن في الأشخاص القائمين على التوزيع فهم يقومون بغشٌ و سرقة المساعدات . ذكرت ” أم موسى ” في الغالب لا تصل المساعدات لمستحقيها ،لأن بعض المؤسسات تقوم بتوزيعها على المعارف والأهل بالرغم من كونهم غير محتاجين لهذه المساعدات ، و أذكر في إحدى المرٌات بأنه وصلت مساعدات أغطية و مفارش للنازحين و لكن استفاد منها المسؤولون على توزيعها ، بالدرجة الأولى ثم بعض النازحين تحصلوا على بعض من هذه المساعدات ، و في نفس الوقت هناك بعض الجمعيات التي توصل الإعانات إلى مستحقيها فالقضية هي قضية ضمير فقط.
أشارت ” حليمة محمد ” موضوع المساعدات موضوع كبير جدا فهناك أشخاص يستولون على المساعدات بعد وصولها ، و يقومون ببيعها ، و المشكلة بأن هذه تعتبر صدقات مخصصة لفئة من الناس هم بأمسٌ الحاجة لها ، ولكن الجشع و الطمع يعمي قلوب البعض ، فلا يروا حاجة تلك الأسر ، فيقومون بتقاسمها مع من يهتمون لأمره ، وما تبقى منه يُعطَى لبعض الأسر المحتاجة ، وهناك البعض يقومون بتوزيعها على مستحقيها ، وهم قلة . سعيد موسى ” لا تصل المساعدات دائما للأسر التي هي بحاجة ماسة لها لهذا فهي في أغلب الأحيان لا تصل لمن يستحقها . ومع توافد شاحنات الإغاثة المحملة بمختلف أنواع البضائع من أغطية وأفرشة ومواد غذائية ، تزداد ردٌات الفعل من قبل المواطنين ويعلو صوت يطالب بالكثير من النزاهة والمصداقية في التوزيع لكن إن لم يردع الضمير الموزع أو المشرف فهل توجد عقوبة قانونية لمن يتلاعبون في هذا الصدد? يقول القانوني عقيلة محجوب محمد يعد كل متلاعب بالإغاثة المقدمة من الجهات العامة والخاصة المحلية والدولية سارقا أو متحايلا وكما هو معروف فإن عقوبة سرقة ألأمانة تصل إلى السجن ، و ليس بالضرورة أن تكون هذه الأمانة باسم شخص بعينه إنما حتى إن كانت باسم مجموعة أشخاص كما هو الحال في المساعدات الإنسانية كذلك من يعرقل وصول المساعدات لمستحقيها يُتهم بالمسؤولية التقصيرية و عقوبتها السجن أيضا ، وتأتي تحت بند استغلال الوظيفة.