قِصٌة المَوْت ..

قِصٌة المَوْت ..

كتب :: د :: عابد الفيتوري 

رِسَالَة فَتاةٍ منْ فَزان أنا فتاة من فزان .. لا زلت طالبة بالمرحلة الثانوية . أريد أن أكون كاتبة يوما ما . وبمعنى ما . أريد أن أكون قادرةً على تحقيق قيمة ومعنى لحياة الناس الذين حولي من خلال الكلمات . منحهم طعم الجمال عندما لا يستطيعون العثور عليه كي لا ينسون أبداً أن الحياة جميلة في الحقيقة . أعني ، في يوم من الأيام ، عندما أتحسن في التعبير عن نفسي ، آمل أن تجلب كلماتي العزاء لهم . حتى لو للحظات فقط . في كل مرة أسير فيها بين أحياء مدينتي سبها .. على وقع أصوات القذائف تنهمر هنا وهناك .. عادة يتم طرح سؤال في ذهني .. يحدث دون تفكير طويل .. أعلم أنه ليس لديٌ أي سبب لطرح هذا السؤال بالتحديد . فقط لكون الاشتباكات ضارية ، ولكن لسبب ما ، أتساءل : ” إذا كنت سأموت اليوم ، فهل سأكون على ما يرام بعد ذلك ؟ ” بطبيعة الحال ، سأختار الحياة فيما لو كان الخيار بين الحياة والموت ، ولا أشك في أن الصدمة الأولية عند توارد أفكار الحطام والدماء فجأة مرعبة ، ولكنني أقبل بهذا . ولا أتوقف عن التجوال كلما كان ضروريا . أتخيل دائمًا حركة الناس في اضطراب ، صراخ وعويل أمهات ثكالى مكلومات . ووجع الفقد . والغضب والخوف في الآن عينه . في بعض الأحيان – اعتمادا على حالتي الذهنية – أرى نفسي عالقة في خضم الجراح الأبدية . ومع ذلك ، أتأمل شيئًا سارا في المستقبل القريب . أشعر في الواقع بالراحة حول رد فعلي في مثل هذه اللحظات . أرى نفسي أستوعب الأخبار بسرعة . فلا بأس بذلك . لقد عشت بما فيه الكفاية . ويساورني اعتقاد لا جدال فيه . أن طول مدة إقامتي أمر غير مهم نسبياً في مواجهة هذا الكل المتراكم من الأحزان . لعل الموت مكافأة لطيفة . لا زلت في العقد الثاني من العمر . واستناداً إلى الإحصائيات السكانية الحالية والتغير الديمغرافي . إذا كنت سأموت في وقت قريب ، فسيكون اعتبار ذلك مأساوياً ، فقدان فتاة في ريعان الشباب داهمتها قذيفة طائشة . وربما مثالاً حيا لما ينتظر الباقين . في بعض الطرقات ، أجد أوقية من الحقيقة تقول هذا . وأنني سأموت قريباً ، هواجس تلاحقني ، فقط على سبيل المثال لا الحصر. إن مجرد تجربة هذه الأشياء في حد ذاتها ليس هو المهم . المهم كيف لي مواجهتها ، شعوري وطريقة تفاعلي مع كل ذلك. لا تقاس قيمة حياتي بالمدة التي أعيشها ، ولكن بالفترة الزمنية التي أضيف فيها قيمة . وسؤالي هنا ذا قيمة كبيرة ، إنه يذكرني بأن كل ما كنت أريده من الحياة ، لديٌ بالفعل . ولسبب ما ، إذا لم أكن أشعر بأن هذا يكفي ، فسيكون عليٌ تغيير الأشياء . أشعر وأن تجاربي تختلف قليلاً. والدقيقة التي أقضيها في انشغال عميق تختلف عن دقيقة أنفقها في التجوال بالحواري والأزقة الحزينة وانتظار قطار النجاة . ذاكرتي أكثر ثراءً . وهذا يعطيني المزيد من إعادة النظر في العيش التعسفي لأطول فترة ممكنة. هذه ، بطبيعة الحال ، حسابات صعبة للغاية ، ولكنها تضع في سياقها كمٌا من التغيير في وجهة نظري حول الزمن وإمكانية أن تتغير الأشياء. ولحسن الحظ ، هذه ليست مهمة مستحيلة أيضًا. أحاول تدريب ذهني ليعتاد بيئة مضطربة تعج بما أعتبره غريبا ومسلُما به في كل يوم ، والعيش ببساطة لتعلم أشياء جديدة ، ولرؤية مزيد المفاجآت . إذا انخرطت بشكل كامل في زواريب الواقع المرير ، ألتقط عمق التجارب التي لا تعد . ففي كثير الأحيان يسرد الناس قصص الخوف من الموت ، لكن الموت ليس مخيفًا أبدا . المخيف أن تعيش وأنت تخشى قدومه وهو يحاصرك . أريد استخدام قوة الكلمات لخلق اختلاف حقيقي وإيجابي في حياتي .. أريد أن أكون قادرة على تحمل معاناتي بشكل صحيح . ومعاناة أهلي بفزان . للاستفادة منها بطريقة ذات معنى ؛ وأن أكون قادرة على التحدث للناس بذات المعنى. عندما أتمكن من القيام بكل ما سبق ، سأعرف أنني أصبحت كاتبة . أمامي طريق طويلة ، ولكن لحسن الحظ ، لازلت صغيرة .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :