- د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
هل راودك التساؤل يوما ما أصل الأبجدية التي نكتب بها اليوم؟ رحلتنا اليوم مع العلامة الفارقة التي غيرت وجه التاريخ على امتداده إلی الابد فلنا أن نتخيل أصواتنا وحسب قد صارت السبيل الوحيد للتواصل ؟! بالطبع سيكون وسيلة وقتية تنتهي بانتهاء اللقاء فكيف نستعيد هذا الصوت وقد انتشر في الهواء ومن المحال استعادته هكذا كانت حياة الإنسان الأول أياما تمر وتمضي ولكن بلا رجعة ومحلها النسيان و لاسبيل لتدوينها ولا طريقة لحفظها كإرث للأجيال القادمة . قصتنا اليوم ، قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى خاصة وأنها تتعلق بأمر نسمعه يتردد يوميا على ألسنة أطفالنا من النشء: ألف باء تاء و A,B,C… لكنها في واقع الأمر، واحدة من أروع الملاحم البشرية التي صنعت التاريخ الإنساني إنها قصة تستحق أن تروى إنها قصة الأبجدية حيث أولى مراحل تحول البشرية نحو الحضارة والانطلاقة نحو الإنسانية والتي تحققت عبر التواصل مع من حولنا من جهة والتغلب على البعد الزمني والتاريخي الذي يفصلنا عن ماضينا ومستقبلنا ولهذا كان التصنيف التاريخي للمراحل الإنسانية عبر العصور، إلی عصور ما قبل التاريخ أي عصور ما قبل الكتابة وعصور ما بعده .يقول (سقراط) عن سعة انتشار الأفكار بعد اختراع الكتابة إنه ما أن يكتب شيئا ما، حتى تنساب المادة المكتوبة من مكان إلى آخر، بحيث تقع في أيدي من يفهمها ومن لا يفهمها، ومن لا علاقة له بها أيضاً. تَارِيخُ ظُهُورِ الأبْجَدِيّة: تعتبر الأبجدية السينائية والتي اكتشفت في شبه جزيرة سيناء والمعروفة باسم السينائية الأولى Proto-Sinatic أو الكنعانية الأولى Proto- Cannaniteهي أول كتابة أبجدية عبر التاريخ ، ونظرا للعثور على أقدم نص من هذه الأبجدية في سيناء لذلك سميت الأبجدية السيناوية حيث عثر علی هذه النقوش في عام 1905 بواسطة العالم الإنجليزي ( فليندر باتري) أثناء عمله في معبد «سرابيط الخادم» وكانت عبارة عن علامات شبيهة إلی حد كبير بالعلامات الهيروغليفية ولم تكن معروفة من قبل إلی أن تمكن عالم المصريات (الن جاردنر) عام 1916 من فك أولى رموز هذه الكتابة معتبرا إياها أقدم الأبجديات في العالم وفي عام 1948 تمكن وليم ألبرايت من فك رموز النقوش السينائية بشكل كامل. وبعد إجراء العديد من الدراسات تبين للدارسين أن هذه الكتابة بمثابة حلقة الوصل بين الهيروغليفية والفينيقية وهي أصل الأبجدية الفينيقية،و التي منها نشأت الأبجديات العربية و الأوربية الحديثة… ولكن كيف قدر لهذه الأبجدية أن تعبر لقارات العالم وينشأ عنها هذه الأبجديات ؟ أولا: الأبجدية اللاتينية : كانت الكتابة في مصر باللغة الهيروغليفية وهی كتابة تصويرية ، ومع عمل الكنعانيين في مناجم سيناء أمكنهم التعرف على الكتابة الهيروغليفية ومن ثم وضعوا أبجديتهم اعتمادا عليها وسميت الكنعانية السينائية كما أشرنا آنفا ومنها تحدّرت الأبجدية الفينيقية فبعدما أسس الفينيقيون (نسبة إلى اللون الأرجواني وهم أحفاد الكنعانيين القدماء ) قرطاجة ، قرروا أن يكون لهم لغتهم الخاصة فحلت اللغة الفينيقية محل اللغة الكنعانية الشبيهة بالرموز الهيروغليفية والمأخوذة من الأبجدية السينائية وبنشأة اللغة الفينيقية أحدثت نقلة نوعية في التحول بالكتابة إلى الأحرف الأبجدية حيث اكتفوا بالحروف الأولى من أسماء الصور فاجتمعت لديهم مجموعة من الحروف كونت الأبجدية الأولى فحرف الألف اشتق من رسم سينائي بدائي لرأس الثور وحرف “ب” اشتق من رسم سينائي بدائي لبيت ،حرف “م” اشتُق من رسم سينائي بدائي عبارة عن (موجة) ، اشتُق حرف “ك” من رسم سينائي بدائي لكف اليد. فيما اشتُق حرف “ع” من رسم سينائي بدائي للعين وحرف الجيم من الجمل ، وحرف الفاء من الفم . ومن الفينقيين انتقلت الأبجدية إلی اليونانيين ويقول المؤرخ اليوناني هيرودوتس (أبو التاريخ ) إن الكتابة الفينيقية دخلت إلی بلاد اليونان عن طريق رجل فينيقي يدعى كادموس حيث تزعم الأسطورة الإغريقية, أن كادموس الفينيقي ابن الملك أجينور ملك صيدا شيد مدينة طيبة اليونانية لينشر فيها الأبجدية وكان كادموس في رحلته للبحث عن أخته أوروبا ( سمّيت القارة الأوربية باسمها) وتخليصها من خاطفها (زيوس) كبير الآلهة اليونانية .فضلا عما قاله الجغرافي الإغريقي (سترابون) في (موسوعته الجغرافية الكبرى) نقلاً عن أمير البحر نياركوس قائد أسطول الإسكندر المقدوني, من أن الملاّحين الفينيقيين كانوا المرشد للسفن اليونانية في بحار ديلمون وذلك لخبرتهم الكبيرة بها ومن هنا يتضح ملامح قوة التأثير الذي أحدثه الفينيقيون في لغة بلاد اليونان ومن الأبجدية اليونانية نشأت أبجديات أخرى، بما في ذلك اللاتينية، التي انتشرت في جميع أصقاع أوروبا، والسيريالية التي سبقت الأبجدية الروسية الحديثة. الأبْجَدِيّة العَرَبِيّة : يعتبر الباحث الألماني (ثيودور نولدكه) أول من أشار إلی أن الأنباط هم أصحاب الفضل في إيجاد الحرف العربي والأنباط هم ورثة الفينقيين في بعض المناطق وعلى الرغم من كونهم شعبا صغيرا إلا أنهم شعب نشيط أيضا استطاع التفاعل مع الشعوب المجاورة تأثيرا وتأثرا كما تمتعوا بموقع استراتيجي متميز على موضع التقاء الطرق التجارية العالمية ، التي تربط بين تجارات الهند وفارس والعراق من الشرق ، ومصر من الغرب ، والشام والروم واليونان من الشمال ، والحجاز واليمن والحبشة من الجنوب وكانت أشهر مدنهم هي: البتراء (الرقيم) في الشمال ، والحِجْر (مدائن صالح) في الجنوب.. وعن أصول الأنباط يقول ابن حجر في فتح الباري : (وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم ، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين ، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ، ويقال لهم النَّبَط بفتحتين … والأنباط ، قيل : سموا بذلك لمعرفتهم بإنباط الماء ، أي استخراجه ، لكثرة معالجتهم الفلاحة) وقد تعلمت قريش الخط من الأنباط والذي استخدموه بشكل رئيسي لكتابة المعاملات التجارية. ومن أقدم نقوشهم نقش النَّمار
بسوريا أو نقش امرئ القيس أحد ملوك المناذرة في الحيرة قبل الإسلام و النقش الموجود في “معبد نبطي للات، أكبر الآلهة العربية الوثنية في وادي رم في الأردن. وللحديث بقية.