ترجمة :: د :: عابد الفيتوري
الصحراء تحترق .. مغامر دنماركي ولد في ابريل 1902 ومات في اكتوبر 1931 .. بسيارة شفرولية عتيقة قرر ان يجوب شمال افريقيا للتعرف على الثقافة العربية ، وفي عزمه بلوغ مكة لأداء فريضة الحج ، وقد اجتذبه الاسلام اثناء اقامته بالمغرب التي وصلها عام 1924 .. فاعتنقه .. ” شعرت بالسعادة تكمن في نفسي .. الإسلام يعلمك أن تحيا طبقا لتعاليمه ، أما الأديان الأخرى فإنها تطلب منك إيمانا بعقائد ومبادئ متحجرة ” .. وقد منحته معايشة اهل المغرب .. ان تعلم العربية .
في مدينة ” توجورت بالجزائر التقى بالأمريكي ” روسكو تاربوكسو ” , الذي طلب مرافقته .. فوافق .. وفي زوارة .. التقى بأحد رجال المقاومة وقد حمله رسالة : ” إنك صحفي .. رجاء أن تسألهم فى أوروبا لماذا يأتون إلى بلادنا ويفرضون علينا ثقافة لا نقبلها ؟ فبأي حق ؟.. يا سيدي إنهم يعاملوننا هنا في بلادنا كالكلاب .. بل أسوأ من الكلاب “.. صور موسوليني وشعار الفاشية توشح الجدران .. ” من ليس معنا فهو ضدنا “.
بغض النظر عن حجم الصعاب التي واجهته عبر طريق بري طويل مرورا بأرض الجزائر .. تونس .. واعطاب السيارة المتكررة .. فقد كان شاهد عيان على بطش الفاشست ووحشية الاحتلال .. وأساليب القمع .. وحفلات الاعدام .. ونصب المشانق .. وردم الابار بالاسمنت .. والنظرة الدونية للانسان العربي .
في طرابلس التقى الطفل محمد .. عمل معه مساعد طوال فترة اقامته .. حارسا للسيارة والخيمة .. وقد اختار الطفل اليتيم مرافقة كنود الى بنغازي حيث عمه هناك .. والده اعدم .. وأمه تزوجها جندي .. ” مطلين ” .. وبعد متاعب جمة .. وتوقفات لا حصر لها .. وانتظار تصريح العبور من السلطات الايطالية بين كل مدينة وأخرى .. تعطلت السيارة قرب النوفلية .. وهذه المرة لم يكن من اليسير اصلاحها .. التيه بالصحراء .. والجوع والعطش لمدة عشرة ايام .. وفرق المجندين الارتريين وقد كلفوا بالبحث عنهم .. وفي بنغازي التي تحتفي بقدوم حاكم برقة الجديد .. جزار فزان سابقا .. غرايستياني .. وقد اوكلت اليه مهمة تهدئة برقة .. ذلك الدموي المتعجرف .. وكم المعاناة التي قاسى الليبيين على يديه .. وبأوامره .. وخطابه في اولاد الفاشست 16 – 18 عاما المنخرطين في الجندية ببنغازي .. ” لا يجيد الخطابة .. كمن ينبح في ساحة العرض .. ايها الاولاد .. لقد تسلمتم بنادقكم اليوم .. ستخدمون للدفاع عن ايطاليا .. تذكروا انكم رومان .. وان اجدادكم كانوا هنا من قبل .. انكم رومان تقاتلون البربر .. اجعلوهم يشعرون دائما انكم الافضل والأرقي .. لن تزول اعلامنا مرة اخرى ” .
اختياره خوض الرحلة بمفرده هذه المرة بعدما اعرب رفيقه الامريكي عن رغبته في العودة الى اوروبا .. لقائه بالضابط الذي وقع اسير عناصر من المقاومة بالكفرة .. ومعاملتهم له كأسير حرب .. لا يعذب ولا يهان .. وضابط اخر .. منتشيا بمجونه .. وصولات الاغتصاب .
سقوط عمر المختار من على صهوة جواده .. وكيف ان شاب منحه حصانه لينجو ، فيما كان يعلم ان نهايته الاسر والتعذيب والموت .. وذلك ما حدث فعلا .. يروي الضابط الايطالي الذي شارك في العملية بحسرة .. كيف احتلوا القرية الصغيرة ، وجمعوا اهلها ومعظمهم من النساء والأطفال وحشروهم في مخبأ انتظارا لعودة المختار ورفاقه ، لكنهم وقد طال الانتظار ، تبين ان امرأة ضمن المحتجزين تمكنت من الهرب وأخبرتهم .
احتجازه من قبل رفاق المختار بعدما تعطلت سيارته قرب درنه .. وقد افرجوا عنه عندما تأكد لهم صدق ايمانه .. وقد استأنس بهم فترة احتجازه ليومين .. واستمع الى قصصهم .. من اعدم اباه .. وامه .. وأخر أخاه .. ومن سلبت امواله قسرا وقهرا .
حرق القرى بالغاز لمجرد الاشتباه في تعاون اهلها .. اسلوب غرايستياني الجديد في دحر المقاومة .. واقتياد النساء واجبارهن على البغاء .. واختطاف الشابة عائشة التي ظل والدها يجوب القرى بحثا عنها .. ليلتقي بها وقد انتهت للعمل بوكر الدعارة .. اراد ان يخلصها والصفح عنها .. لكنها اصرت تطلب منه قتلها لتستقر روحها من عذابات ما لحق بها من عار .. وقد استجاب الاب لطلب ابنته .. قتلها وغادر .
اعدام امرأة في درنه اتهمت بالتعاون مع رفاق المختار .. ومدهم بالمؤن .. والحقيقة ان جندي مطلين حاول افتراسها بعدما اعدم زوجها .. كانت في عمر العشرين ولها طفل عمره ستة اشهر .. أبت ان تنصاع له .. فوشى بها كذبا .. اقتياده الى السجن وترحيله الى بنغازي بتهمة الجوسسة .. الى ان اختار من هناك بعدما اطلق سراحه .. المغادر بحرا الى الاسكندرية .. وهناك عمل بما اقسم عليه .. نقل رسالة رفاق المختار الذين احتجزوه الى الامير ادريس السنوسي .. واما وقد تبخر حلمه بأداء فريضة الحج .. ركب البحر عائدا الدنمارك .