كرة القدم النسائية ” ضربة حرة مباشرة في وجه العادات والتقاليد “

كرة القدم النسائية ” ضربة حرة مباشرة في وجه العادات والتقاليد “

  • نهلة المهدي – ليبيا

رؤى قدح ذات الاثنى عشر ربيعا إحدى المتدربات في أكاديمية الرياضي المتميز بطرابلس، تؤمن بأنها قادرة على اللعب في المنتخب الليبي للفتيات لكرة القدم، لكنها تعرف أيضاً أن ثمة تحديات مجتمعية إن لم تواجهها الآن فإنها ستجدها أمامها في المستقبل رغم تفاؤل نبرة صوتها الشديد وهي تتحدث عن كرة القدم هدفها الثاني في الحياة.

رؤى قدح ـ حفيدة سالم قدح أحد مؤسسي نادي الأهلي طرابلس ـ تلقت الدعم أولا من والدها الذي يحب متابعة مباريات كرة القدم وخاصة كأس العالم، تعلقت رؤى في عمر 8 سنوات بكرة القدم إذ كانت تتابع مع إخوانها الذكور وأبيها مباريات كأس العالم وتعلمت أحكام اللعبة ومهارات اللعب، تقول رؤى ”حينها لاحظ أبي شغفي باللعبة، وفي نفس العام اشترى لي كرة قدم، كنت أفضل كرة القدم على أي رياضة أخرى”.

تعد رؤى واحدة من أكثر من 25 متدربة في الأكاديمية الخاصة الأولى في طرابلس التي تستقبل فتيات للتدريب على لعبة كرة القدم، تقول رؤى ”لم تشجعني أمي وأغلب عائلتي في البداية، لكن والدي ومدربي شجعوني لتنمية موهبتي بالتدريب“.

للأولاد فقط

تتحدث رؤى رغم صغر سنها بنبرة المتحدية العارفة بالثقافة المجتمعية التي تميز بين البنات والأولاد، وتحلم بأن تصبح لاعبة منتخب محترفة، مدربة، أو حكمة مباريات، تقول “كانوا يخبرونني بأن هذه اللعبة للأولاد وسوف تؤثر علي كوني بنت، وكنت أجيبهم أنا أحب هذا، أحب كرة القدم”.

وتضيف رؤى “في المدرسة كانت تتنافس فرق زملائي الأولاد لضمي لفرقهم، لكن تظل لعبة كرة القدم حكراً على الذكور ويرتبط الأمر بالتقاليد والعادات، ويستغرب الناس أن تكون الفتاة لاعبة كرة قدم، في حين أن دولاً عربية أخرى يكون فيها الأمر مقبولاً إلى حد ما ومنها تونس ومصر“.

أما مدير ”أكاديمة الرياضي المتميز“ مصطفى بن موسى فيقول “إن فكرة تدريب الفتيات على كرة القدم لم تكن تخطر على بالي رغم أني منحاز إلى البنات وأشعر بالتهميش الذي يمارسه المجتمع ضدهن في كل المجالات وليس الرياضة فقط، فالفتاة تكاد تكون غير مرئية في مجتمعنا“.

يضيف بن موسى ”جاءت الفكرة عندما علمت تلميذاتي بالمدرسة التي أعمل بها عن تأسيسي أكاديمية لاحتراف كرة القدم، وطلبن مني أن أفتح باب الاشتراك للفتيات أيضاً، ولأني أعرف ثقافة المجتمع الرافض لهذا الأمر، تواصلت مع أولياء أمورهن، والآراء كانت متباينة بعض الآباء والأمهات شجعوا الفكرة كثيراً والبعض كان متخوفاً“.

قرر المدرب وشريكه بالمشروع محمد التواتي الموافقة على طلب الفتيات، و اضطرهم الأمر لتوفير صالة مغلقة بالمدينة الرياضية لتدريبهن، كي لا يكون التدريب في مكان مفتوح، وكي يقبل أولياء أمور الفتيات بالأمر.

تمكن بن موسى من إقناع أهالي الفتيات حيث أن عمله كمعلم أتاح له فرصة إقامة علاقات وثيقة مع أولياء الأمور، وتكونت أول دفعة تدريبية من 25 متدربة فتاة لتكون مدربتهم لاعبة كرة القدم السابقة حدهم العابد.

يضيف المدرب ”لاحظت الصحافة وجودنا وتواصلت معنا وسائل إعلام أغلبها أجنبية، وهنا لاحظ المجتمع وجودنا وبدأنا نستقبل التعليقات التمييزية ضد البنات والرافضة لمشروعنا وسمعت كلاماً مثل (البنت مكانها الكوجينة) وليس لاعبة في منتخب كرة القدم وهذه كانت أصعب التحديات التي واجهتنا“.

يعتقد بن موسى أن أبرز مؤشرات نجاحه هو خلق منافسين له، بتأسيس أكاديمية أخرى في طرابلس لتدريب الفتيات على احتراف كرة القدم، والتي كونت فريقاً منافساً لفريق أكاديميته”.

تاريخ اللعبة

تأسس فريق كرة القدم النسائية الليبي في يونيو عام 1996 لكنه شارك فقط في مباريات الكرة الخماسية (كرة الصالات) ولم يحصل على اعتراف من الاتحاد الدولي العام (الفيفا)، وكانت أولى مشاركات المنتخب في البطولة العربية للخماسيات عام 2000، والتي فازت فيها اللاعبة حدهم العابد بهدافة البطولة.

كما أن لاعبات المنتخب (حدهم العابد، سميرة البز، هدى الترهوني، عزيزة الشوشان، أحلام الولوال، إيمان المشاي) كنّ ضمن منتخب العرب للسيدات الذي لعب ضد فريق تشيلسي الإنجليزي عام 2003، وتولى يوسف الشوشان دوره كأول مدرب لمنتخب سيدات ليبيا لكرة القدم، كما تحصلت رشا نوري على أول رخصة تدريب رياضية للاعبة ليبية في عام 2017.

تقول حدهم إن بداية ممارستها لكرة القدم كانت صعبة بعض الشئ فالمجتمع لا يتقبل امرأة تمارس رياضة فما بالك بلاعبة كرة قدم، “عائلتي لم ترفض أمام إصراري على اللعب، لكنها كانت تدرك أني سأتعرض للانتقادات والتنمر من المجتمع، كذلك زميلاتي في الفريق لم يكن العائق عائلياً بالنسبة لهن“.

ترى حدهم أن أكبر العوائق التي واجهتهن عدم وجود أندية تتبنى الفتيات الراغبات بلعب كرة القدم، مؤكدة أن الاتحاد الليبي لكرة القدم لم يكن يوماً داعماً لكرة القدم النسائية.

كما علقت حدهم على التمييز ضد اللاعبات النساء من طرف الاتحاد بقولها ”البرامج التدريبية والميزانيات المرصودة لدعم الذكور في كرة القدم لا يمكن مقارنتها بما نحصل عليه من اهتمام أو دعم من الاتحاد، نتحصل فقط على تدريب لفترة قصيرة هذا في حال كانت لدى منتخب الفتيات مشاركة خارجية، في حين نجد معسكرات خارجية لفريق الأولاد ودوري عام سنوي ومباريات منتظمة وتدريب وميزانيات يتم صرفها للمشاركات الداخلية والخارجية“.

التهميش متعمد

سعاد الشيباني مؤسسة كرة القدم النسائية وعضو لجنة تطوير الكرة في الاتحاد العام الليبي لكرة القدم تؤكد أن التهميش متعمد بقولها ”التهميش متعمد من صناع القرار، فمنذ تأسيس الكرة النسائية عام 1996 كان إقبال الفتيات على ممارسة واحتراف اللعبة كبيراً جداً رغم ثقافة المجتمع التي كانت عائقاً حقيقياً أمامهن، وتمكنا بإصرارنا من تغيير هذه الثقافة قليلاً“.

تعتقد سعاد أن تأخير وجود منتخب كرة قدم للفتيات سببه قلة الدعم قائلة ”في بعض الأحيان لا نتمكن حتى من توفير قارورات المياه والملابس للاعبات، وكل ما نوفره نتحصل عليه بعلاقاتنا الشخصية“.

حققت حدهم لاعبة المنتخب السابقة حلمها لتكون لاعبة محترفة وعضوة باللجنة النسائية للاتحاد العربي للأكاديميات العربية بالمملكة الأردنية منذ عام 2019، تقول حدهم ”نحن مجتمع محافظ، وأغلب التعليقات تأتي على لباسنا الرياضي، ورغم أن اللباس محتشم إذ أن الفتيات يلبسن (سروال قصير تحته بنطلون) ومع ذلك لا نفلت من التنمر والإساءة“.

وتسرد في حديثها معنا التساؤلات التي تشغل بال عضوات المنتخب: أين المبلغ المالي المخصص من الفيفا لكرة القدم النسائية في ليبيا؟ ولماذا لا يوجد فريق فتيات في كل الاندية الليبية رغم أن القانون يجيز ذلك؟ لماذا لا تمنح الأندية الرياضية الفتيات حصتهن من المشاركة، كيف يمكن أن يكون لدينا منتخب نسائي بدون أندية؟

هي معركتنا

”هي معركتنا” تقول الشيباني ”لن نقف مكتوفي الأيدي. سنخوضها. فمنذ أن تأسست كرة القدم النسائية شارك منتخبنا في عدد من المحافل الدولية، منها مشاركتنا في كأس أفريقيا عامي 2016 و 2018 إلا أن الحظ لم يحالفنا وغادرنا من الأدوار الأولى“.

غير مخفية مخاوفها من الحرب المعلنة ضد النساء والتجاهل ومقاومة الأفكار الجديدة والمختلفة، تبدي الشيباني ارتياحاً كبيراً لمشروع الفيفا الذي يهدف لتدريب معلمي الرياضة في المدارس ليكونوا عونهم في اختيار فتيات لمنتخب كرة القدم.

محمد التواتي

ولبناء صورة أكبر عن أوضاع كرة القدم النسائية وجدنا حسب تقرير نشره موقع ”إيوان ليبيا مستنداً لتقرير نشرته مجلة “ماركتنج ويك“ عام 2019 أنه في بطولة بحجم كأس العالم للنساء ثلث اللاعبات المشاركات فيها كشفن أنهن لم يحصلن على أموال أو رواتب أو مكافآت، وأن أغلبية الدول التي لم تمنح لاعباتها الرواتب كانت دولاً لديها نظام مطور للعب كرة القدم للنساء، من ضمنها الولايات المتحدة، إذ أن 77% من اللاعبات لا يحصلن على أموال، أما في فرنسا فالنسبة كانت 62.2% منهن.

حتى في حالات الدول التي تدفع للاعبات، فـ 42% منهن قلن إنهن لا يحصلن على ما يكفي ليغطي نفقات السفر والحضور في معسكرات المنتخبات، مثل البرتغال حيث كانت تلك حال 100% منهن، واليابان 67% وإيطاليا 60% وألمانيا 80% منهن أبلغن عن عدم كفاية النفقات.

سعاد الشيباني

غير مخفية مخاوفها من الحرب المعلنة ضد النساء والتجاهل ومقاومة الأفكار الجديدة والمختلفة، تبدي الشيباني ارتياحاً كبيراً لمشروع الفيفا الذي يهدف لتدريب معلمي الرياضة في المدارس ليكونوا عونهم في اختيار فتيات لمنتخب كرة القدم. وقد ينتج عن هذا المشروع تأهيل المزيد من الفتيات لينضممن لمسيرة رؤى ويشكلن مستقبل الكرة النسائية في ليبيا.

حدهم العابد

تم إنجاز هذه المادة ضمن مشروع “الأحداث كما ترويها الصحفيات” المدعوم من هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة والمنفذ من قبل أكاديمية شمال أفريقيا للإعلام.

منتخب العرب للسيدات

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :