د. سعد الأريل.
اليوم العالم من حولنا يحتفي بعيد الصحافة (الإعلام) ونحن هنا في ليبيا لانشارك هذه المناسبة بعد مرور 5 سنوات على الثورة، كان حلم الليبيين أن يكون لديهم الإعلام الذي رنا إليه الكثير من الصحفيين في بلادنا وأن عهدا جديدا قد أطل على أفق الإعلام الليبي ليكون له موقع في دائرة الإعلام العالمي ولكن كل أحلام الصحفيين قد تبخرت ولم يبق شيء نتلمسه حول الإعلام في بلادنا، فبلادنا تمر بأزمة إعلامية خانقة يبدو أنه ليس من الممكن إزاحتها عن صدور الإعلاميين، عندما خرجت إبان الثورة أكثر من 100 صحيفة لتتبخر في أقل من سنة! فما الذي وراء فشل إعلامنا؟ هناك عوامل كثيرة ولكن من أهمها صغر سوق الإعلام في بلادنا أولا فالكثير من رجال الأعمال لا يملكون الحس الإعلامي وخاصة في نشر الإعلان.
فالإعلام أصبح تجارة كغيره من النشاطات الأخرى وثانيا اتخاذ مبدأ المماثلة للإعلام الذي لا يتوقف عنه زخم الدعم الممول من جهات عامة كما نرى في الإعلام الممول من شركات الخليج العربي، فمعظم شركاتنا العامة لا تنهج هذا الأسلوب في دعم الإعلام.
لأسوق لكم تجربتي مع صحيفة (قورينا) التي كانت تصدر بمدينة بنغازي ورغم محدودية النشاط الاقتصادي بهذه المدينة كان الزخم الإعلاني الذي يصل إلى مكاتب الصحيفة يصل إلى ملايين الدينارات شهريا، كانت طوابير المعلنين لا تتوقف على مكتب الإعلان، كانت هناك أسباب وراء هذا النجاح منقطع النظير منها أن (قورينا) كانت أول صحيفة ليبية تخرج إلكترونيا، وكان بها العديد من خبراء الصحافة في الإخراج خاصة، وكانت من الصحف التي تصدرت شبكات الإنترنت، لكن هذه الصحيفة سرعان ما قتلت في المهد من دعاة الثورية بأنها إرث للنظام القديم، لم تكن (قورينا) في مسار (الأهرام) التي ظلت صامدة حتى مابعد الثورة المصرية، فشلت (قورينا) أيضا لم تكن مؤسسة إعلامية ذات روافد كما هو الحال لدى (الأهرام) وحاول القائمون على الإعلام تجفيف مصادر التمويل لهذه الصحيفة فكانت بعيدة عن مؤسسة (دعم وتشجيع الصحافة) التي أعادت الأسلوب القذافي الأول بتمويل صحف تنتمى إليها وفشلت هذه الصحف في شرق وغرب البلاد.
رفعت الأقلام وجفت الصحف ولم يعد هناك أي صحيفة حول الدائرة الإعلامية في بلادنا تنشر لنا أخبارا سوى البعض البائس منها الذي لم يعد إلا لوحة إعلانات وامتد القحط الإعلامي حتى إلى الإعلام المسموع والمرئي ونحن نلاحظ من إذاعاتنا المسموعة المحلية أنها لم تعد تتنفس سوى الإعلانات لم تعد وجهة إعلامية هادفة. (المثال: إذاعة bbn) في بنغازي للأسف المساهم الآخر في تدني الإعلام في بلادنا هو الكوادر القائمة على الإعلام و نحن نرى أشخاصا دون مستوى و ظيفة الإعلام مثل تصدر بائع صحف على المشهد الإعلامي وآخر في الإعلام الخارجي لم يفقه أي حرف في اللغة الأجنبية، وآخر تصدر تلك المؤسسة الداعمة للإعلام وهو بعيد عن الإعلام. أتذكر في عهد (القذافي) أن سائقا أصبح وزير إعلام في مدينة (بنغازى).
في ظل هذا الخضم من الأحداث تقدمنا بمذكرة إلى ساسة الهيئة وصلت للدستور بمذكرة حول إنشاء (مجلس أعلى للإعلام) ونحن نثمن لهيئة الدستور إذ تضمن اقتراحنا ضمن الدستور وهو إنجاز كبير لمسيرة الإعلام المستقل عن أي سلطة تنفيذية وأظهرنا في هذا الاقتراح الروافد الممكنة لمسار الإعلام وأن غاية الإعلام الكبرى هي مثله مثل أي نشاط اجتماع تقوم عليه الدولة فهو مرسل للوعي والتثقيف.. فهل نقوم بتشييع إعلامنا إلى مثواه الأخير بأيدينا وثقافتنا البعيدة عن روح العصر؟.