ليبيا …. ثقافة الاعتذار

ليبيا …. ثقافة الاعتذار

  • المهدي يوسف كاجيجي

فى القاهرة تشاجر سائقا قطار، فترك أحدهما قطاره والمحرك يعمل، وذهب ليعنف زميله، فتحرك القطار بدون سائقه وكانت الكارثة. على بريد القراء في صحيفة الأهرام كتب قارئ يقول: [الكلمة الطيبة وثقافة الاعتذار كانت من الخصال السائدة في الماضي القريب، ولكنها الآن لم تعد بنفس الدرجة، فقد كانت مفتاح العلاقات الحسنة وتجنب الشجار.. وما حدث من سائق جرار الموت هو دليل على ذلك فقد ترك موقعه في الجرار الذى يزن 120 طناً، دون مراعاة تأمينه، ونزل للشجار مع سائق آخر، ولو ترك الامر لأهل الاختصاص، وبقي هو في مكانه، لما تسبب في مقتل وإصابة العشرات من المواطنين!! . اختفت كلمات الشكر واخواتها مثل: “جزاك الله خيرا ” وكلمات الاعتذار مثل: “اسف، سامحني”، كلمات يقولها الإنسان لأخيه الإنسان، تريح السمع، وتثلج الصدر، وتخفف من التوتر بين الناس، نتيجة ضغوط الحياة، وتهدئ من غلواء الضغينة، لأن كلمات الشكر والاعتذار عن الخطأ لها فعل السحر في النفس البشرية ] ولا ننسي قوله تعالي: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

ثقافة الاعتذار
في ليبيا انقرضت كلمات التسامح والشكر والاعتذار، وتطورت الأمور من صراع مسلح إلى حرب أهلية وتغيرت سلوكيات الناس إلى العنف والكراهية، وأصبح الموت زائرا يوميا متربصا بشباب يافع، يخسر حياته عقب مناوشات بسيطة، عند التوقف في تقاطع الطرق، وفى إشارات المرور الضوئية، بمجرد احتكاك بين سيارتين، أو في شجار يبدا بالتلاسن في طوابير الانتظار، على محطات الوقود والمصارف والمخابز، وينتهي بالموت. كل ذلك نتاج الضغوطات غير المحتملة، التي ولدت الحقد والضغينة التي تربعت في القلوب والعقول، وسيطرت ثقافة التكبر، وانحسرت بل اختفت ثقافة الاعتذار والتسامح..
َ
ماذا لو؟!
نحن أبناء جيل، كنا لا نتذوق اللحم إلا في المواسم والأعياد، ونعجن خبزنا من دقيق مخلوط بالسوس، والمضحك في زماننا كانت أسراب الجراد تعبر أفريقيا وهي تلتهم الأخضر واليابس، وعندما تصل لصحرائنا منهكة، كنا ننتظرها كوجبة دسمة. ولكن كنا أغنياء بالتراحم والتواصل والترابط. في زماننا كانت اعقد المشاكل تحل في جلسة تحت نخلة، أو حول قصعة رز ولحم، يعقبها تقبيل الرؤوس. كان المسافر القاصد أداء فريضة الحج، يقوم بجولة على الأهل والجيران والأصدقاء، يطرق الأبواب طالبا السماح. كانت كلمة (سامحوني) تدخل الحب والبهجة على النفوس وتثلج الصدور. أنا اعرف أنّ (لو) حرف شرط غير جازم، ولكنني سأطرحه على حضراتكم، في سؤال افتراضي: في مشهد انفجار الأحداث في فبراير، خرج علينا العقيد معمر القذافى، في حالة من التكبر رافعا سبابته متسائلا: من أنتم؟ من أنتم؟ ترى ما الذي كان يحصل ًلو تواضع قليلا وقتها وقال: أنا آسف.. سامحوني؟

* الرسم: بريشة الفنان المبدع محمد الزواوي رحمه الله .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :