المهدي يوسف كاجيجي
[عندما تغادر ليبيا وتسافر في هذا العالم الفسيح، ستكتشف أن ليبيا ليس أجمل بلد في العالم، وأن ليبيا ليس احسن بلد في العالم، والليبين ليسوا اذكى شعب في العالم. وستكتشف أن الشعب الليبي في الشارع و الأماكن العامة و في تعاملاته اليومية هو من بين أكثر سلوكيات البشر همجية و تخلف و عدائية و بلا اخلاق إلا من رحم ربي.]
إيضاح واعتذار
هذه الفقرة من مقالة بعنوان ” عندما تسافر ” تم تداولها مؤخرا منسوبة للأستاذ الدكتور نجيب الحصادي.ولقد استخدمتها كمقدمة لهذا الموضوع، وبعد النشر تلقيت تحذيرا من صديق وهو إعلامي كبير يخبرني فيه بأن الدكتور الحصادي نفى علاقته بالمقالة، فأوقفت النشر وسحبت المقال من على الصفحة، وأعيدها إلى حضراتكم مرفقة بهذا الايضاح والاعتذار للأستاذ الدكتور نجيب الحصادي.
قطعا لم نكن كذلك !
” عندما تسافر ” مقالة أين كان كاتبها ستظل وصفا دقيقا للمشهد الليبي ولما وصلنا اليه من حالة من الانحدار الكامل فى كل نواحي الحياة،حتي ولو اعتبرناها عملية لجلد الذات، وانا اجزم أننا فى ليبيا لم نكن كذلك، بشهادة جيلى الذى هرم، الجيل الذى عاش وعاصر تجربة ميلاد دولة الاستقلال، كحصاد لسنوات الجهاد التى خاضها الآباء المؤسسون، شهادة يؤكدها الضيوف الاجانب الذين عاشوا معنا بدايات حقبة الاستقلال، ومولد اول دولة ليبية من العدم ، واليكم بعض منها.
خسارة يا ليبيا !!
الميلياردير المصري أنسى ساويرس، بعد تأميم شركته فى الستينات سافر إلى ليبيا وعمل كشريك مقاول بالباطن مع شركات وطنية من أمثال على النايض وأولاد بن بركة، وفى بداية السبعينات عاد إلى مصر واسس شركته ” أوراسكوم ” لتصبح واحدة من الشركات الكبري التي تقود البورصة المصرية.لم تنقطع علاقاته مع أصدقائه فى ليبيا، بل ظل يردد فى مقابلاته الصحفية ومجالسه اعجابه بالأمانة التي اشتهر بها الليبيون فى معاملاتهم المالية قائلا: فى ليبيا التعامل بالكلمة. حتى وقع ضحية لعملية نصب من ليبيين فصرخ قائلا : مش دول الليبين إللي عرفتهم.يا خسارة يا ليبيا ،يا الف مليون خسارة.
ليبيا تغيرت واجد .. واجد !
السيدة Gazila ” غزالة ” زوجة صديقنا عبدالرحمن حويو رحمه الله، إسبانية من أشبيلية عاصمة الأندلس. روت لى بحب مطلق حكايتها مع ليبيا واهلها: [ وصلت فى الستينات إلى طرابلس ضمن فريق طبى إسباني للعمل فى ليبيا، فى المطار استقبلني سائق من وزارة الصحة، رجل فى العقد الخامس يتكلم الإيطالية، ونحن في الطريق انحرف بالسيارة ودخل إلى غابة، انتابتني حالة من الرعب، توقف وخرج من السيارة وغاب لفترة، يعلم الله وحده حالتي وقتها، عاد حاملا في يده باقة مكونة من أغصان شجر وزهور برية، وقدمها لى مبتسما معتذرا موضحا أنه كلف بشراء باقة لتقديمها لى عند الوصول ونسي. بكيت متاثرة بالموقف، ومن تلك اللحظة وقعت فى حب ليبيا واهلها، وعندما تعرفت على عبدالرحمن وعرض على الزواج، كنت جاهزة بالموافقة. قصة غزالة وعبدالرحمن طويلة ليس هناك وقت لسردها الان. عندما سقط النظام الملكى كان عبدالرحمن ضابطاً في الجيش، وعندما تم تسريحه عمل مع أسرته، ثم انتقل إليى أشبيلية ليعيش فى بلد زوجته، وبعد رحيله قامت غزالة بزيارة إلي ليبيا، وعادت حزينة مكسورة الفؤاد، وقالت لى بلهجتها الشرقاوية المكسرة : شنو درتو لروحكم ، مسكينة ليبيا اتغيرت واجد. ولم تعد بعدها لزيارة ليبيا، ولم يتبقي لها ٬من ذكري سوى زيارة اسبوعية إلى المقبرة الإسلامية فى إشبيليا حاملة فى يدها وردة على آمل أن ياتي حارس المقبرة المغربى ليفتح لها الباب، وغالبا لا يأتى.
و ما هو الحل ؟!
كل من سبق أن عرفنا اصيب بالصدمة:( يا ألف مليون خسارة يا ليبيا ) قالها المهندس انسي ساويرس. ( وشنو .. مسكينة ليبيا تغيرت واجد ) قالتها السيدة غزالة ماتيوس. ونحن لا زلنا نواصل حالة الانحدار والانهيار فى كل مناحي الحياة، مستمتعين بجلد الذات، والبكاء على اللبن المسكوب، فى وطن يتفكك ، ودماء ذكية شابة طاهرة تسفك،وحرب قذرة نخوضها لحساب الغير، فقدنا فيها القرار وتركنا فيها الحل بايدى من لا يريد الحل، على وزن النكتة السودانية “سرقوا الصندوق يا محمد لكن مفتاحه معايا ” فى انتظار الذي يأتى ولن يأتي. وبقى سؤال سبق أن طرحه السفير بشير سعيد بن عمر على صفحتي تعليقا على مقالة “كلكم يبكى فمن سرق ليبيا” متسائلا : [ ما الحل .. كيف السبيل إلى تجاوز الواقع والتصالح مع أنفسنا، لأسترجاع ليبيا المسروقة او المخطوفة بتعبير آخر ؟؟!!! .