ليبيا وثروتها المهدورة: حين يُقصى الشباب تتعثر الأوطان

ليبيا وثروتها المهدورة: حين يُقصى الشباب تتعثر الأوطان

مقال/ سلمى مسعود.

  شباب معطّلون في وطن غني

لا تقوم الأمم إلا بسواعد شبابها ولا تنهض الدول إلا حين تؤمن بأن جيلها الجديد هو الثروة الحقيقية والمورد الأغلى ومن يتأمل مسار الدول العظمى يدرك أن كل قفزة حضارية عظيمة كانت خلفها عقول شابة مؤمنة قادرة ومؤهلة أما حين يصبح الشباب طاقات معطلة وأحلامًا مكبوتة فإن الوطن بأكمله يصاب بالشلل ويتعثر في دروب التّيه.

في ليبيا اليوم تبدو الصورة مقلقة الشباب الذين يفترض أن يكونوا قادة التغيير ورواد البناء يعيش كثير منهم حالة بطالة قاتلة أو تهميش مرير أو عجز عن التأثير وصناعة القرار تتآكل أحلامهم بين الإحباط وانسداد الأفق وتذبل طموحاتهم أمام غياب مشاريع التنمية الحقيقية التي تفتح لهم أبواب العلم والعمل والمشاركة الفاعلة فلا مستقبل لوطن يغيب فيه دور شبابه ولا نهضة تنتظر من أجيال مقيدة بالبطالة والإقصاء.

رغم امتلاك ليبيا لثروات نفطية ضخمة إذ بلغت إيرادات النفط 76.7 مليار دينار ليبي في عام 2024 نحو 15.5 مليار دولار إلا أن البطالة تواصل حصار الشباب الليبي حيث بلغ معدل البطالة 18.5% وهو الأعلى بين دول المغرب العربي وهذه المفارقة بين الغنى الطبيعي والفقر البشري تمثل واحدة من أعقد الأزمات الوطنية فليس هناك من مأساة أعظم من أن تعجز دولة غنية عن صناعة أمل حقيقي لشبابها.

غياب السياسات الداعمة للشباب.

تعتمد ليبيا بشكل شبه كامل على قطاع النفط مع قلة واضحة في تنوع مصادر  الدخل هذا الاعتماد المفرط أدى إلى ضعف تنمية القطاعات الأخرى القادرة على استيعاب الطاقات الشابة وللأسف لم تتبنَ الدولة حتى الآن سياسات جادة تستهدف تمكين الشباب وتوظيفهم واستثمار إمكاناتهم.

الدول التي تصدرت العالم لم تصل إلى القمة بالمصادفة بل آمنت أن الشباب هم القاطرة الحقيقية للتنمية فاستثمرت في تعليمهم ودعمت ريادتهم ومنحتهم أدوارًا قيادية مبكرة، لأنهم فهموا أن الأمة التي لا تصنع قياداتها من شبابها ستبقى رهينة التخلف والتبعية.

أما ليبيا فإن أقل ما يمكن أن تقدمه لأبنائها هو أن تدعمهم وتشجعهم على الريادة والابتكار فمن المخزي أن تستمر خيرات البلاد تُنهب أمام العلن بينما شبابها يعانون البطالة والإقصاء، إن من حق شباب ليبيا أن يكونوا قادة لخيرات وطنهم، وأن يديروا ثرواتهم وأن يبنوا اقتصادهم بأيديهم لا أن يكونوا شهود عيان على ضياع مستقبلهم.

الحاجة إلى استثمار حقيقي في الشباب.

لا سبيل لنهضة ليبيا دون إطلاق برامج حقيقية لدعم الشباب عبر توفير منح ومشاريع رائدة تتيح لهم تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتقلل من معدلات البطالة كما أن إعادة تأهيل الشباب وتدريبهم بما يواكب احتياجات السوق المعاصرة تمثل ضرورة قصوى إلى جانب دعم التعليم الفني والتقني ومنح قروض ميسرة مع تسهيلات حقيقية تشجع على الاستثمار المحلي.

حين يمتلك الشاب فرصة عمل حقيقية أو مشروعًا خاصًا فإنه لا يبني مستقبله فقط بل يبني أسرة مستقرة ومجتمعًا قويًا ووطنًا مزدهرًا.

الشباب: قادة المستقبل أو وقود الأزمات

الشباب الذين يُهمّشون اليوم قد يصبحون وقودًا لأزمات الغد ومن يتجاهل هذه الحقيقة يرتكب خطيئة تاريخية بحق الوطن، إن بناء ليبيا الجديدة يبدأ من إعادة الاعتبار لدور الشباب ومنحهم المساحة الكاملة للإبداع والريادة وتحمل المسؤولية.

الشاب الذي يمتلك عملًا شريفًا وفرصة حقيقية للإبداع هو شاب محصن ضد الفوضى والإحباط والهجرة وهو الشريك الحقيقي في صناعة السلام والنمو وكل مشروع صغير يولده شاب مجتهد هو حجر أساس في جدار ليبيا الجديدة التي نحلم بها جميعًا.

التاريخ لا يرحم الأمم التي أهدرت كنوز شبابها، ولا ينتظر شعوبًا رضيت أن ترى أحلامها تسحق تحت ركام الإهمال وليبيا اليوم أمام خيار واضح لا لبْس فيه إما أن تنهض بشبابها أو أن تبقى سجينة لأزماتها المستدامة.

الخاتمة:

إن مستقبل ليبيا لن يُصنع بالانتظار ولا بالمراهنة على الحلول المؤقتة بل سيُبنى حين يتحول شبابها من مهمّشين إلى صناع قرار ومن عاطلين إلى قادة مشاريع ومن شهود على الفشل إلى بناة للنجاح فالشباب الليبي ليس عبئًا على وطنه بل هو كنزه الحقيقي وإن إهمال هذه الطاقة الهائلة لا يعني سوى إهدار فرصة تاريخية للنهضة في زمن لا يعترف إلا بالأقوياء، لا يحق لليبيا أن تظل غائبة عن مشهد التقدم بسبب سياسات العجز والتقصير لا خيار أمام ليبيا اليوم سوى أن تضع شبابها في قلب المشروع الوطني، أن تفتح لهم آفاق الريادة والابتكار وأن تثق بأن الذين يصنعون الخبز من تراب الفقر قادرون أيضًا على صناعة المعجزات حين تُمنح لهم الفرصة العادلة فإما أن تنهض ليبيا بأبنائها وإما أن تستمر النزيف في ثرواتها وأحلامها في وضح النهار دون رادع أو أمل.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :