عبد المنعم الجهيمي
على مدار سنوات طويلة أهمها العشرية التي جاءت بعد ال2011 فشلت جل مؤسسات المجتمع المدني في تغيير الفكرة النمطية السائدة عنها لدى شرائح كبيرة من المجتمع الليبي، ولعل هذا الفشل لم يكن مقصودا ولكنه واقع نواجه آثاره وتداعياته مع تقدم الوقت وتعقد المصالح وتشابك الغايات وتداخلها.
فمؤسسات المجتمع المدني (بعضها وليس جميعها) ساهمت في الكثير من جوانب الحياة المجتمعية داخل المدن التي نشطت فيها، بداية بالحملات التطوعية المختلفة، مرورا بإشراك نخب المجتمع في التفاعلات السياسية والمحلية، وطرح القضايا الخدمية، والتحشيد للاستحقاقات الانتخابية ومراقبتها ومتابعتها، غير مواضيع التنمية ودعم المشاريع الشبابية، فضلا عن المشاريع الخدمية التي توفرت بدعم من المنظمات الأممية وبالتنسيق مع المجتمع المدني وأجهزة الحكومة والمجالس البلدية.
مسيرة كبيرة وفيه عليها الكثير من الملاحظات والهفوات وأيضا الأخطاء الكبيرة، ولكن لاتستطيع اختزالها في ذلك المنظور الضيق جدا الذي يضعه الناس ويرتاحون له، دون عناء تكلف التفكر والتمعن فيه، ومؤسسات المجتمع المدني لأنها تعمل وسط مشهد فوضوي من الطبيعي أن تلحقها ذات الفوضى، وتشوب أعمال بعضها شبهة الفساد المالي أو العمل غير المنظم، وهي في ذلك تتشابه مع كل الأجسام في البلاد.
تعال شوف رأس الدولة من فوق ستجده منقسما، وكل حكومة لها سياساتها وأجندتها، ولها حلفاؤها محليا ودوليا، ويستمر ذات الانقسام وذات الفوضى لتشمل مختلف المؤسسات والمجموعات والإدارات، مؤسسات حكومية كاملة يشوبها الفساد والمحسوبية وتتحكم في مدن غارقة في مياه الصرف الصحي والقمامة والطرق المهدمة وتدني الخدمات.
ولن تكون جميع مؤسسات المجتمع المدني بمثابة الملاك الطاهر في هذا الوسط، فالسيء منها سيتماهى مع المشهد ويكون أحد مكوناته، والجيد منها سيحاول البناء ومعالجة المشهد ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والجميع المفترض أن تكون هناك قوانين مفعلة تنظم العمل وتساعد على أدائه بالشكل المطلوب.
لكن الذي يحدث أننا نترك المسؤولين الذين تنشر منصات ديوان المحاسبة ملفات فسادهم بالملايين، لنركز جهودنا على مؤسسات المجتمع المدني لنضعها في بوتقة واحدة، لم لا، وهي الأقل عنفا والأكثر مسالمة.
بشكل عام تجاوزت الكثير من المؤسسات المجتمعية احتياجات مجتمعاتها، فصارت تسعى للحصول على الدعم أكثر من سعيها لإحداث التغيير ومعالجة الأوضاع والضغط على السلطات من أجل المواطن، فصار ديدنها البحث عن القضايا مضمونة الدعم وتصميم برامجها عليها، وهذا تكرر حتى صار ثقافة عامة لدى الكثير من هذه المؤسسات، وهو من الأسباب التي زادت وفاقمت الهوة بين الناس العاديين وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني.
أخيرا مؤسسات المجتمع المدني تعمل وفق قانون ينظم عملها ومؤسسات حكومية وطنية تتابعها، وكون أن دورها المفترض يكون كبيرا فلازم فعلا أن يكون دورها كبيرا، وكون أنها الآن في حالة تخبط فهذا صحيح والتخبط يحتاج لمعالجة ودراسة ومتابعة وتوعية، وهذا دور مؤسسات المجتمع المدني النزيهة، أما الحديث على أنها جميعها ممولة من برة وأن أربابها يرفلون في النعيم، فهذا كلام كوميدي يصلح أن يكون مشهدا في مسلسل كوميدي، غير هكي هو لا يسمن ولا يغني من جوع.