بقلم :: ميلاد منصور الحصادي
الذكرى الثلاثون لاغتيال الفنان ناجي العلي
تمر هذه الأيام الذكرى الثلاثون لاغتيال الفنان التشكيلي ، ورسام الكاريكاتير والصحفي الشهيد ناجي العلي ، والذي أطلقت عليه رصاصة غامضة في لندن يوم الأربعاء 22/7/1987 ليبقى فى المستشفى حتى يوم 19/8/1987 حيث وافاه الأجل بعد إصابته بثمانية وثلاثين يوماً
ثلاثون سنة مرت على رحيله ، ومازالت بيروت مبعثرة لا تعرف كيف تلملم أطرافها وغزة حزينة يخنقها حصار همجي وأصبح لفلسطين دولتان ، ولم يعد احد يرفع صوت المقاومة ،بل أصبحنا إمارتين واحدة فى غزة والاخرى فى رام الله ،وأصبح معنى المقاومة ، كيف تقاوم حماس فتحاٌ وكيف تقاوم فتح حماساً.
ثلاثون سنة مرت على اغتياله ومازال سر موته غامضاً …من قتل ناجى العلى ؟ هل هم الفلسطينيون الداعون الى التسوية ،والذين رأوا أن ناجي العلي تجاوز الخطوط الحمر، أم هو الموساد ؟ والذي أستغل خلاف ناجي العلي مع كثير من مقاولي القضية ، فأطلق عليه النار وليضيع السر في دهاليز مظلمة تحتاج لسنوات لنعرف من اغتال ناجى العلى .
وناجي العلي لم يكن حارق بخور ، ولم يكن رسام الحزب الواحد ، والحاكم الواحد ،ولم يكن مهرجاً ومداحا ، بل كان رساما ، يرسم من رحم النكبة ، ومعاناة ومأساة الشعب الفلسطيني …لقد أعلن أنه لا فرق بين الريشة والبندقية ، فكان الفنان الوحيد الذى دفع حياته ثمناً لمواقفه، ..فلم يكن شاهد زور و لا (شاهد ما شافش حاجة) بل امتطى صهوة القلم ، فرسم كل شئ بصدق وعفوية وإحساس ،، وحاول أن يجعل الناس يضحكون من واقعهم بمرارة ،، فالكاريكاتير ليس إعلاما فقط بل هو تحريض وتبشير بالغد الجميل والمستقبل الرائع ،،وناجى العلى يعتبر من أهم رسامي الكاريكاتير فى الوطن العربي بل وحتى على المستوى العالمي فقد حظي بشهرة واسعة وبكثير من الجوائز والشهادات العالمية ،، ومنها اختياره واحداً من أشهر عشرة رسامين الكاريكاتير فى العالم عن طريق جريدة (أساهى اليابانية).
ناجي العلي ليس رسماً فقط بل أنه ربط بين رسمه ونضاله ، وهو من الفنانين القلائل الذين دفعوا الثمن غالياً لمواقفهم السياسية ، فدفع روحه ثمنا لهذا الفن ،، لقد ناضل ناجي العلى بريشته فكانت أحيانا أقوى من رصاص البنادق وهدير المدافع ، آمن ناجي العلى بفلسطين وطناً،وبالقدس عاصمة وبالأرض أما وبالزيتون رمزاً ، فرفض أن يساوم أو يتنازل .
والشهيد ناجي العلى من مواليد عام 1936 فى قرية الشجرة بين الناصرة وطبريا بفلسطين ،، نزحت عائلته إثر نكبة عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة بلبنان ،، درس الابتدائية فى مدارس وكالة الغوث ،ثم حصل على شهادة دبلوم ميكانيكا من مدرسة مهنية بطرابلس لبنان ، بعدها غادر إلى السعودية للعمل بين عامي 1957-1959 لكنه عاد الى لبنان ،والتحق بكلية الفنون فى بيروت ولم يكمل دراسته بسبب السجن والملاحقة ،، عمل مدرسا للرسم فى مدينة صور ، سافر عام 1963 الى الكويت ليعمل مندوبا صحفيا فى جريدة الطليعة ، ثم انتقل الى جريدة السياسة الكويتية من 1968 الى عام 1975 ،، حيث رجع الى بيروت ليعمل فى جريدة {السفير اللبنانية}، عاد الى الكويت لفترة قصيرة فى جريدة السياسة ، لكنه عاد من جديد للعمل فى جريدة السفير حتى الاجتياح الاسرئيلي لبيروت عام 1982 ،حيث تركها الى جريدة القبس الكويتية والتى بقى فيها حتى عام 1985 ، حيث أبعد الى لندن للعمل في نسخة القبس الدولية ،.
فى عصر الاربعاء 22/7/1987 وفى لندن أطلق مجهول النار عليه حيث وافاه الأجل يوم السبت 19/8/1987 ، أصدر ثلاث مجموعات لرسومه عام 1976/1983/1985 م ، تسلمت زوجته عام 1988 جائزة (القلم الذهبي للحرية) الممنوحة من قبل اتحاد ناشري الصحف فى ايطاليا ،، اختارته جريدة { أساهي }اليابانية واحداً من أشهر عشرة رسامين الكاريكاتير ، وقال عنه مدير تحرير الصحيفة {{أن ناجي العلى يرسم بحامض الكبريتيك}}.
بعد رحيله والى وقتنا هذا مازلت الأقلام والقلوب والأنامل ترثي ناجي العلى ..تبكى تلك الرسوم التى كانت تنبعث من رحم المأساة …تبكى (حنظلة) الذى رفض أن يدير لنا وجه حتى لا يرى خيبتنا وهزيمتنا .
بعد رحيله كتب عنه القاص والكاتب السوري ” زكريا تامر ” ( قاتل ناجي العلى أرتكب جريمتين ، فهو لم يقتل ناجي العلى فقط بل قتل أيضا طفلا أسمه “حنظله”، وكان دائم الحضور فى معظم رسومه ، شاهدا على كوارث عربية تجعل الرضيع شيخاً عمره آلاف السنين ).
كما رثاه الشاعر مظفر النواب
قتلوك ..لأنك تسكنهم
ونشرت غسيلا
يخبئه بعضهم خلف بعض
فصاح من العفن المستميت
الغسيل ومن الوحل
في دروب المخيم
على نفس دربك مستهدفون
نحن الرصاصة القادمة
نحن نرثى الذين يطلقون الرصاص
علينا
ونحمل زهرتنا شامخين
برغم الركوع الشمولي
نستقبل النار
والشائعات الأشد من النار
كل جرح بان علما للهجوم
وصمت الدماء دليل .
أما (بهاء بخارى ) رسام الكاريكاتير الفلسطيني يقول : ربطتني بناجي العلى علاقة شخصية لمدة عشرين عاما، وانطلقنا معا بالعمل في عام 67 ،منذ ان عمل في مجلة ” الطليعة ” ، وبقيت علاقة الزمالة والصداقة بيننا قوية حتى أبعد الى لندن ،ويتابع رغم أننا كنا أصحاباً نحمل وجهة نظر مختلفة ، وكان اختلافنا كثيرا فى بعض التفاصيل ، ولكننا كنا نتفق على ان فلسطين القضية هي القاسم المشترك بيننا… أما عن غيابه فيقول “البخارى ” فقدناه مثلما فقده الشعب الفلسطيني كله ، كنا أصحاب قضية محاربين ومناضلين في خندق المقاومة وفضح المتآمرين والمتاجرين بالقضية ، وهو جسد باستشهاده رمزا من رموز الفن الفلسطيني ، و لا احد يستطيع أن يشغل الفراغ الذى تركه غياب ناجي العلى ، لأنه كان ذا بصمة قوية وجريئة لم تتكرر بعده .
أما رسام الكاريكاتير الفلسطيني ( محمد سباغنه ) فيقول : ناجي لم يضف لفن الكاريكاتير فقط لكنه أضاف للحركة الثورية الفلسطينية صيغة جديدة ، تؤكد أنه لا فرق بين الريشة القلم والبندقية ، ويضيف يمكن لي أن أتذكر دفاتري المدرسية ، وهي تحمل رسوم حنظله وخريطة فلسطين ، ويتابع : يمكن أن أقص لكم بدايات لوحاتي الكاريكاتورية ، كيف بدأت أتعلم على خطوط ناجي ولوحاته وشخصياته أيضا ، لكن ناجي وسام على صدر كل فلسطيني ،،وأتمنى أن أمشى على خطاه ، وان تنجب هذه الأرض ناجي جديد ))
هذا هو ناجي العلى الذي حاول أن يجعل الناس يضحكون من واقعهم بمرارة ،هذا هو ناجى العلى الريشة التي لم يجدوا سوى الرصاص سبيلا لإسكاتها.
رحل الذى من خلال قسمات وجهه ونحافته وسيجارته تعرف أنه ولد من رحم النكبة وعاش معها ،لقد رسم ناجي العلى شهادته ومضى ، وترك ألف سؤال وسؤال تبحث عن إجابة ، لن أجد ما أقول إلا ما قالته { أم خالد زوجة ناجي العلى : اه لو يشعر الذي قتلك كم أنت حي ، لو كان يشعر