أ-عيسي رمضان
روى الإمام النسائي رحمه الله عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: ((قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»
شهر يغفل عنه كثير من الناس. وفي هذا إشارة إلى فضل من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقًا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها كثير من الناس؛ فيشتغلون بالمشهور منه، ويفوتون تحصيل ما ليس بمشهور عندهم.
… إخفاء النوافل وإسرارها أفضل، وخصوصا الصيام، فإنه سر بين العبد وربه؛ ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء، وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان، فيتصدق بهما، ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما، ويظن أهل سوقه أنه أكل في بيته، ثم أنه أشق على النفوس وأغلب المسلمين يعلمون أن أفضل الأعمال أشقها على النفوس؛ وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال غيرهم من الأقارب والاصحاب وعامة الناس ، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم، فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها، تأسى بهم عموم الناس، فيشق على نفوس المتيقظين طاعاتهم؛ لقلة من يقتدي بهم فيها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ» كما جاء في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد مِن بينهم مَن يتمسك بدينه، ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة مَن هاجر مِن بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه.
والأهم من هذا كله أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله والأعمال ترفع إلى الله على ثلاثة أحوال: رفع يوميٌّ: ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون» متفق عليه.
ثانيًا: رفع أسبوعي: ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»؛ (الترمذي)
ثم الرفع السنوي وهو من العام الى العام فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».أخرجه الامام مسلم
وحينما سأله أسامة بن زيد أنه يصوم من شعبان الأيام الكثيرة فقال:«ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»