فرج الضوى
يجرى كَهِرٍ سرق سمكة من مشنة أحدهم ، يتلفت يمنة ويسرة كأنه يُطَمئِنُ نفسه أن لا أحدَ يراه ، أطبق كفه علي شيء لامع بعدما رمقه بطرف عينه ثم ضم قبضته إلي صدره وتنفس الصعداء ، دلف بهدوء ، صوب الطرقة التي تؤدي في نهايتها إلي غرفة لها باب بضلفتين وأمسك مصراعيهما…
– ساتينا….. ساتينا …
“تستيقظ ببطيء كتثاؤب جناحا فراشة للتو غادرا شرنقة كارتجاف رضيع لايزال يتعرف علي الضوء المنتشر في الغرفة فجأة ”
– ما بك ياديدوموس …؟ !
– انظرى ماذا أحضرت لك ِ …
–ويحك…. أَسَطَوْتَ علي الجبانة مع مينفرت وسيناروس ، أَنَبَشْتُم جسدا مقدسا باركته آلهة الغرب ؟… فأنتظر إذا لعنة أوزير وعذاب عمعموت حين ينبش صدرك…..
– حنانيك يا ساتينا…” يال خيالك ” ههههههه – تدوي ضحكته في أرجاء الغرفة – الأمر غير ذلك بتاتا ..
– ما الأمر إذا …. ؟
– كنت أتبع الموكب المقدس مع السدنة وهم يموضعون جثمان الكاهن منتوحتب في تابوته لمثواه الأخير عند الضفة الأخرى …. فوقعت علي الأرض ولم يلاحظني أحد وأنا ألتقطها . لقد غافلت الجميع ….
–أرني إياها – يلتمع إنعكاس أشعتها في ضوء الشمس المتسلل في الغرفة . ويحنا… سامحنا يا آمون إغفري خطيتنا يا آبيس…. حتما ستحل عليك اللعنة الأبدية إن لم ترجعها …. أتدرى إنه خِپـرِر الجعران المقدس … !
– لم يدرِ أحد في أبيدوس عنها …أبيدوس كلها في النياحات المدينة نائحة يا ساتينا وأستبعد أن يكتشفوا أمرها ؛ وحتي إن أكتشفوه فلن يعرفوا من الفاعل سيكون مجهولا صدقيني. نحن فقراء يا ساتينا دعينا نحتفظ بها ثم لنبعها بعد حين ….
–أجل… أجل- ساخرة – لم يدرِ أحد من البشر ، لكن الآلهة تدرى ورَأَتْ فعلتك المشينة…. فلتستحق لعناتها يا ديدوموس….
– مستهزئا … لا عليكِ. فالآلهة موشاة بالحرير والدمقس والذهب المقصب و قابعة في المعبد لا تستطيع هش ذبابة …. ولو كانت عادلة ما تركتنا فقراء نتكفف موائد الكهنة ووجهاء المدينة أصحاب الشنة والرنة ، الذين يحشي موتاهم بالحلي والذهب ويحنطهم أعظم الكهان وتباركهم أكبر الآلهة في البر الغربي … وأنا ماتت أمي ولم أجد من يباركها ولا من يحنطها فدفنتها في العمارنة مع رفات العمال ولم تتنيح روحها وضلت في العدم …..
–راجع نفسك يا ديدوموس أرجوك َ وأذهب إلي الكاهن
نفررنبت فهو رجل طيب قُصَ خطيتك عليه، فحتما سيستشفع لك عند الآلهة …. وآلهتنا طيبون…..” يغلق الباب خلفه بعنف شديد، فيرتطم مصراعاه ببعضهما، لا يري الأرض ولا الشمس ولا الشجرة العتيقة عند باب البيت ولا أبيدوس كلها ، يهوي في كتل من الظلام في هوة سحيقة يرفرف برجليه ويديه محاولا التشبث بشيء … فيستسلم… ويسبح …. يسبح… تاركا أنفاسه لفضاءات السواد السحيق