- فرج الضوى
كان بيتنا قريبا من السكة الحديد ، يبعد ربما أقل من مآتى متر ، كنت أسمع صفارة القطار القادمة من المجهول فى عمق الليل – كل ليلة عندما نأوى إلى الفراش أنا واخوتى فى حجرتنا الصغيرة – كانت للحجرة نافذة ضيقة تطل على المنور المفتوح على الشارع الخلفى والطريق السريع على العالم وقطعة السماء التى تبدر منها النجوم والصدى الطويل لصفارة القطار التى تشعرنى بالخوف والضياع ؛ وكأنه مارد يصيح بحنجرته فى الأحراش – لم أكن أدرى كيف لطفل فى مثل سنى الصغيرة أن يصله ذاك الإحساس – ربما رسالة من الغيب فى غياهب المجهول قادمة مع المتدكدك القادم بعرباته من ضباب الليل إلى سراب المجهول .
رحلت إليها فى القطار إلى البلد الذى تدرس فيه وقابلتها فى حديقة محطته ، أخبرتنى أنها تأتى كل أربعاء ثم تسافر صبيحة الجمعة .
انتظرتها طويلا كثيرا ليلة أربعاء بصبر وتؤدة أنظر فى كل وجوه القادمين ، أفرح لهلة كل قطار آت وانتظر أن يفرغ كل مافيه من الآيبين ، ويجىء القطار تلو القطار ، وأنا اتنفس صقيع الشتاء ولا يؤنسنى سوى بخار أنفاسى ، وتصدح صفارة تلو صفارة تلو أخرى ، تنحت الفراغ داخلى وتنهش تخمش صفو نفسى ، ويسرى صدى كل صفارة إلى جباب روحى ، وألوم المساء ألوم المسافات ألوم المسافرين المغادرين والآيبين ، ألوم ناظر المحطة وسائق القطار ، لأن قطارها لم يأتِ …. !
كل ليلة أنظر للخاتم الذى أهديتها إياه بين سبابتى وإبهامى ، وأسمع صفارة القطار التى تشعرنى بالضياع …. !