مرتبة الكاذب …!!

مرتبة الكاذب …!!

أ- محمد صالح

إخوتي احذروا من الكذب، احذروا من الكذب في عبادة الله، لا تعبدوا الله رياء وسمعة، وخداعاً ونفاقاً، واحذروا من الكذب في إتباع رسول الله، لا تبتدعوا في شريعته، ولا تخالفوه في هديه، واحذروا من الكذب مع الناس، لا تخبروهم بخلاف الواقع، ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة، إن المؤمن لا يمكن أن يكذب لأن الكذب من خصال المنافقين: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]،

 {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10]،

{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105.

إن المؤمن لا يمكن أن يكذب؛ لأنه يؤمن بآيات الله، يؤمن برسوله، يؤمن بقول النبي: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» (مسلم: 2607).  

ما أقبح غاية الكذب، وما أسفل مرتبة الكاذب، الكذب يفضي إلى الفجور، وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي، ثم إلى النار ويا ويل أهل النار، والكاذب سافل لأنه مكتوب عند الله كذاباً، وبئس هذا الوصف لمن اتصف به،

 إن الإنسان لينفر أن يُقال له بين الناس: يا كذاب، فيكفي يقر أن يكتب عند خالقه كذاباً، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته.                    ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]، فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجاً لحياته.      لقد كان الكفار في كفرهم، وأهل الجاهلية في جاهليتهم؛ لا يمتطون الكذب، ولا يتخذونه منهجاً لحياتهم، أو بلوغ مآربهم، هذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من قريش تجاراً إلى الشام فلما سمع به هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي قال أبو سفيان:  

فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه أو عليه””

. هكذا أيها المؤمنون الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن الكذب، ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم، فكيف بكم أنتم أيها المؤمنون، وقد حباكم الله تعالى بهذا الدين الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه، ويبين لكم نتائجه وثمراته الطيبة، وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه، ويبين لكم نتائجه وثمراته الخبيثة،

 إن أبا سفيان في حال كفره تنزه أن يوصف بالكذب ولو مرة واحدة مع أنه كان يرى أن له مصلحة في كذبه عما يخبر به عن رسول الله، وإن بعض المنخدعين من هذه الأمة ليستمرئ الكذب ويفتي نفسه بحله إما لتهاون بالكذب، وإما لاعتقاد فاسد يظن أن الكذب لا يحرم إلا إذا تضمن أكل مال، وإما لطمع مادي يتمتع به في دنياه، وإما لتقليد أعمى لا هداية فيه، وكل ذلك خداع لنفسه، وتضليل لفكره، فالتهاون بالكذب عنوان الرذيلة، فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينك وبين الكذب حتى لا يبقى دونه حائل، فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية، فإذا وقعت فيه مرة هان عليها شأنه، ثم تقع منه ثانية فيهون عليها أكثر، حتى يصبح كأنه سجية وطبيعة، فيكذب ويتحرى

الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً  

. والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل، إذ لم يكن في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله أن تحريمه مشروط بذلك، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرماً وأشد عقوبة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي عد الكبائر وفيها اليمين الغموس، قيل: ما اليمين الغموس؟ قال: «التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» (البخاري: 6920)،

وقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة!!

 فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً؟! قال: وإن كان قضيباً من أراك» (مسلم: 137).

 إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم فيألف ذلك لما يرى من ضحك الناس، ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له» (أخرجه الثلاثة وإسناده قوي)، وإن بعض الناس يكذب على الصبيان لأنهم لا يوجهون إليه النقد، ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب، وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه، وعن عبد الله بن عامر أن أمه دعته فقالت: تعال أُعطِك، فقال النبي: «ما أردت أن تعطيه؟ قالت: تمراً، فقال لها رسول الله: أما إنك لو لم تعطه شيئاً لكتبت عليك كذبة» (رواه أبو داود

. فاتق الله أيها المسلم، اتق الله في نفسك، واتق الله في مجتمعك، واتق الله في دينك، ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى، وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي، أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سبباً للتنفير عن دين الإسلام، ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟ إن أعدائهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا رأوهم على تلك الحال، كذب في المقال، وخيانة في الأمانة، وغدر في العهد، وفجور في الخصومة.

 وإن أعدائهم ليفخرون عليهم إذا رأوهم يقلدونهم حتى في رذائل الأخلاق التي يحذرهم الإسلام منها. فعجباً وأسفا لأمثال هؤلاء القوم الذين ألبسوا أنفسهم ما تعروا به أمام أعدائهم، واتبعوا سبيل الهالكين، وابتعدوا عن سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم صلِ وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :