محمد عمر أحمد بن إجديرية
جلنا يكتب عن المختنقات المعيشية (مياه، كهرباء، سيولة، خبز، مجاري، وقود … إلخ) التي يعاني معظم الليبيين من وطأة فقدانها، نكتب عنها كأنها شأن شخصي!، وتتكرر كتابتنا عن عنها بنفس المحتوى تقريبا وأحيانا بذات التعبيرات والسياقات!، الأمر الذي ترتب عليه آلية تعاطي كل منا مع هذه الإشكاليات، والبحث عن خلاص فردي، وكأنها مشاكل فردية لا يكتوي بنارها ملايين الليبيين في جميع مدن وبلدات وقرى ليبيا. طريقة التعاطي هذه والبحث عن خلاص فردي، عملَ على تسطيح أمر هذه المختنقات، وشتت جهود ملايين الليبيين الباحثين عن خلاص فردي، فضلا على أن هذه الطريقة في التعاطي مكّنت متصدري المشهد من هيئات ومؤسسات وشخوص في أن تقدم مسكنات لهذه الجهة أو تلك أو لهذه المجموعة وغيرها، الأمر الذي خفف عن كاهل متصدري المشهد تراكم الإحتقان ومكنهم من السيطرة وتوجيه هذه المسألة، لغايات الابتزاز السياسي أو العقاب الجماعي.هكذا إشكاليات ينبغي التفكير في مسبباتها، وإدراك أدوات استمرارها لكي يتم العمل على حلها عن بينة وبشكل دائم يضمن عدم تكرارها.
كلنا نعي وندرك أن هذه المختنقات المعيشية، سببها الرئيس هو الأزمة الليبية الراهنة بكل تفريعاتها، إذن طالما أن الأزمة الليبية لم تحل، ستظل هذه المشاكل تتجدد، فحل مشكلة الماء أو الكهرباء أو السيولة أو الوقود … إلخ، في مدينة ما أو قرية ما لا يعني حلا دائما، بل هو إجراء مؤقت، سرعان ما يتجدد بوتيرة أسوأ من سابقاتها. إذن منطق العقل يقول بأننا كليبيين علينا أن نفكر بآلية لحل الأزمة الليبية لكي نضمن حلا دائما لهذه المختنقات المعيشية.موجة اليأس والقنوط والتشاؤم المنتشرة داخل صفوف الغالبية من الليبيين، لن تعير هذا الكلام أدنى إهتمام، لأن متصدري المشهد أوصلوهم إلى حالة اليأس تلك عن طريق تعمد حرمانهم من تلك الخدمات الضرورية، فمعظم التقارير الليبية الرصينة والأجنبية تثبت أنه باستثناء مشكلة الماء والوقود اللتان تتأثران سلبا بحالة التوترات الأمنية والتصعيدات العسكرية، فإن بقية المشاكل مفتعلة ولغايات الابتزاز السياسي أو العقاب الجماعي.بل إن شريحة كبيرة من الليبيين لا ترى ولا تعي أن بإمكانها إحداث فارق أو التأثير في مجريات الأحداث، عبر قناعتها أن الأمر برمته أصبح بيد اللاعبين الأجانب وأن مصير ليبيا أصبح رهن إرادة أنقرة وموسكو وواشنطن وباريس وغيرها من الدول المتورطة في ليبيا.لا يختلف اثنان على أن الأمر قد خرج من يد الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة والنفوذ، وأصبح رهن بصراع الإرادات بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي، لكن هذا الأمر حدث لأننا كليبيين تركنا الأمر برمته لمتصدري المشهد المتصارعين على السلطة وآثرنا التفرج والصمت وانتظار ما يقرروه هم وغيرهم، من هنا فإن الحل يأتي من الوعي بأهمية الإرادة الشعبية ممثلة بالأغلبية الصامتة التي اختارت الصمت والسكوت حتى الآن.الحل يأتي بخلاص جماعي عبر رفض جميع متصدري المشهد العام ودون استثناء، والتعبير الإيجابي عن هذا الرفض من خلال احتجاجات عارمة ذات نفس طويل وبزخم متزايد الوتيرة في معظم أنحاء ليبيا، وبطريقة سلمية لا عنف فيها، وبشعارات موحدة ترفض جميع متصدري المشهد من سياسيين وعسكريين وأمراء حرب ومليشيات وسراق المال العام ومنتهكي الحقوق والباحثين عن فرصة ولو على حساب معاناة الليبيين.دون هذا الامر، ستظل الأزمة تتجدد ودون حل، مهما عقدوا من اجتماعات ومهما وقعوا من اتفاقيات ومهما كانت النوايا حسنة للبيانات ومهما ابرموا من تسويات.إرادة الحياة تعني رفض الواقع العبثي والتفكير سوية في آليات منظمة ومدروسة ومخطط لها للخروج الناجح والآمن من حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس وأحالتنا إلى هشيم تذروه الرياح.حفظ الله ليبيا من كل مكروه.