مطروح المدينة التي ذكرتنا بالوطن 

مطروح المدينة التي ذكرتنا بالوطن 

نيفين الهوني

عام2012 وتحديدا في فصل الشتاء اقترحت علي صديقتي الإعلامية والشاعرة عفاف عبدالمحسن زيارة مدينة مرسى مطروح لأول مرة بدلا من القاهرة والتي كنت أزورها في العام مرتين على الأقل وبعد ليلة قضتها تصف جمال المدينة وحسن معشر سكانها وافقت أخيرا على أن تكون مرشدي ودليلي وقد كان. اليوم  وبعد هذه السنوات حين تُذكر مطروح، تنفتح في القلب نافذة تطل على الحلم، وتتهجى الروح اسمها كأنها تعزف لحناً قديماً ناعماً من زمن العشق الأول. تلك المدينة الواقعة على حافة الخيال، حيث يلامس البحرُ زرقة السماء، وتتهادى الأمواج كما لو كانت تُدندِن نغمة لا يسمعها إلا من طَهَّر قلبه من ضجيج المدن.

وحين يهبط الزائر من زمن المدن المتسارع، يخلع عن روحه الضجيج كما يخلع المعطف عند مدخل الدفء. وما إن تدوس قدماه رمال شاطئ رومل، حتى يشعر كأنه دخل فصلًا غير مكتوب من رواية عشق سرية، محفوظة في صندوق البحر، لا يقرؤها إلا من عرف كيف يصمت ويتأمل . ومن شط رومل الذي بدا خلف التلالٍ البيضاء التي  تنام مطمئنة عند كتف المتوسط، ويُحوطها خليج يشبه حضن أمّ، آمن، حنون، صادق

. مياهه لا تُشبِهُ شيئًا؛ كأنها خُلقت من صفاء السماء وهدوء القلب. رأيت مع رفيقتي وصديقتي الصدوقة من خلال هذه المياه أعماق الرمال، وكأنك تطل على الذاكرة… نقية، بلا خدش.وعندما مشينا في ممره الصخري المنحوت في الجبل، الذي يمتد كذراع تُشير إلى الحلم، سمعنا صدى خطانا كأن الصخور تحفظ أصوات كل من مرّ قبلنا، وكل من همس لنفسه مثلنا : “هنا أريد أن أكون.” هناك، داخل كهف رومل، الذي يختبئ في حضن الجبل، والذي تشعر بداخله وكأن الزمان توقف ليُصغي لحكاية جندي ألماني وحيد، خبّأ نفسه من الحرب، وسمع للمرّة الأولى صوت البحر لا صوت الرصاص. كهفٌ تحول لمتحف، لكنّه لا يزال يحتفظ برائحة التواريخ المنسية، وبصوت ارتجافةٍ في صدر ضابط أنهكه السؤال عن المعنى. وقفنا نتأمل روعة الخلق وبديع الخالق ونفكر متى ستتاح لنا فرصة كهذه مرة أخرى في ظل ظروف  ليبيا آنذاك بلد تتقاذفها الأوجاع على شفير الهاوية تنتظر سقوط القلب المدوي  ومن رومل إلى عجيبة، الشاطئ المسحور الذي سُمّي لأن كل شيء فيه… عجيب.

فالصخور هناك لا تقف، بل تنحني على الماء كأنها تتأمله. الفتحة الصخرية في وسط البحر كنافذة للعالم الآخر، والموج يضربها ثم يتراجع، كعاشق يتردد قبل الاعتراف. هناك، تضيء الشمس الماء بلون الفيروز النقي، وتصبح السماء مرآة لتفاصيل الحنين. الذي كان يملأ القلب آنذاك لأيام خلت ولن تعود ولوطن ودع ناموسه فضّل الطريق وخوف من المجهول الآتي على عجل دون وجل

أما في بحر كليوباترا، فالدخول إلى مغارة كانت أسطورة في زمن الفراعنة وسماع خرير الماء بين جدرانها كصدى ضحكة الملكة كان حكاية أخرى. المغارة محفورة في صخر البحر، والماء يندفع داخلها بخجل، كأنه يعرف أنها لا تزال تنتمي لماضٍ كنا فيه أسياد العالم .

وعلى شاطئ الأبيض، حيث يذوب الرمل تحت قدميك كأنك تمشي فوق سحاب. هدوء عميق، وصفاء يجعل العين تبكي دون أن تدري. جلسنا نتأمل في الملكوت كانت كل واحدة فينا تفكر في الغد المجهول والمأزق الذي وضعنا فيه أنفسنا بعدما فرطنا في وطن كان الأجمل.  كل شيء هنا ينتظر أن تُغنيه أنت، أن تكتب عليه قصيدتك، أن تترك عليه أثرك.لكن كل شيء هنا كان يذكرنا بالوطن هناك أيضا

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :