- إدريس بن حميد
البلدي سبها، تعود إلى الواجهة الأسئلة الكبرى حول الوعي الانتخابي، وحسن الاختيار، ودور المواطن في رسم مستقبل مدينته. فهذه الانتخابات ليست حدثًا عابرًا، بل هي استحقاق يمسّ حياة الناس اليومية، ويحدد مستوى الخدمات، ويعيد تشكيل إدارة المدينة التي عانت طويلًا من الانقسام وغياب الأداء الفعّال.
من نحن اليوم؟ وما الذي نريده؟
شهدت ليبيا عمومًا، وسبها
خصوصًا، جولات انتخابية متعددة خلال العقد الماضي:
المؤتمر الوطني العام، انتخابات الدستور، المجالس البلدية السابقة.
ومع ذلك، لم تُحقق هذه التجارب النتائج المرجوة بسبب عوامل مختلفة، أبرزها:
تغلّب السياق القبلي والمصلحي على مفهوم المواطنة؛ الجهل بالعملية الانتخابية لدى شريحة واسعة من الناخبين؛ ضعف تقييم المترشحين وفق معايير الكفاءة؛ سيطرة العلاقات الشخصية على صناديق الاقتراع؛ غياب الوعي بأهمية الصوت الانتخابي.
نتائج هذه السلوكيات لم تكن
سوى تكرار للفشل، وعودة للمشكلات نفسها، مع ضعف في الأداء الإداري، وتعثر الخدمات، وضياع فرص التنمية.
اليوم… نحن أمام فرصة مختلفة.
التحسن الأمني الذي شهدته سبها والجنوب، بفضل جهود الأجهزة الأمنية والقيادة العامة للجيش الليبي، خلق بيئة أكثر استقرارًا مما كانت عليه في السنوات الماضية.
هذا الاستقرار ليس مجرد “وضع أمني”، بل بيئة انتخابية سليمة تمنح المواطن حرية التفكير والاختيار بعيدًا عن الخوف والتهديد.
ومن هنا، يصبح الناخب في قلب العملية. عليه أن يدرك أن: دوره اليوم حاسم؛ صوته ليس شكليًا؛
اختياره ليس شأنًا فرديًا، بل شأنًا يمسّ مدينة كاملة.
الانتخابات البلدية… ماذا تعني
لسبها؟
البلدية هي الجهة الأقرب
للمواطن، والمسؤولة عن: الطرق والصرف والبنية التحتية؛ نظافة المدينة والبيئة؛ التخطيط العمراني؛ الصحة والتعليم؛
الخدمات العامة والمنفعة المشتركة.
وبالتالي، فإن مجلسًا بلديًا ضعيفًا يعني خدمات ضعيفة.
ومجلسًا قويًا يعني مدينة قادرة على التغيير.
نزاهة الانتخابات… الركيزة الأولى للنجاح.
لكي نحقق نتائج مختلفة عن الماضي، لا بد من: شفافية الإجراءات؛ حياد الجهات المشرفة؛ منع شراء الأصوات؛
وقف الضغوط القبلية؛ رفض الدعاية التي تقوم على التخويف أو التنافس غير الشريف.
نزاهة الانتخابات ليست مسؤولية المفوضية وحدها، بل مسؤولية الناخب أيضًا.
وهي تبدأ من ضمير المواطن قبل أي شيء آخر.
حسن الاختيار… مسؤولية أخلاقية ووطنية.
المترشح الجيد ليس من يملك قبيلة أكبر أو قدرة على تبادل الخدمات، بل من يملك: كفاءة حقيقية وخبرة في العمل العام؛
نزاهة وسيرة حسنة؛ فهمًا لاحتياجات المدينة؛ قدرة على التواصل والعمل الجماعي؛
استقلالية عن المصالح الخاصة.
الصوت الانتخابي أمانة.
ومن يُعطي صوته لمن لا يستحق، يتحمل جزءًا من النتيجة.
لا لبيع الأصوات… لا لتكرار الفشل.
لا يُعقل أن يستمر البعض في بيع أصواتهم مقابل مبلغ مالي أو خدمة مؤقتة.
هذا العمل ليس بسيطًا كما يبدو، فهو: يعزز الانقسام؛ يعطل مسيرة البلدية؛ يعيد إنتاج الفوضى والفشل؛ يحرم المدينة من خدمات تستحقها.
بيع الصوت هو بيع لمستقبل المدينة، وليس صفقة شخصية.
رفض تسييس البلديات… حماية لسبها.
من الخطأ تحويل انتخابات المجلس البلدي إلى صراع سياسي بين أنصار النظام السابق، وفبراير، أو التيارات المختلفة. وأمامنا خيار جديد إعادة الأمن،والاستقرار والتنمية، والإعمار.
البلدية مؤسسة خدمية، لا علاقة لها بالأيديولوجيا ولا بالنزاعات السياسية.
تسييسها هو أول خطوة لشلّ عملها، وتعزيز الانقسام، وإعادة سبها إلى سنوات الاضطراب.
الخلاصة: سبها أمام مفترق طرق
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة.
أمنٌ أفضل.
استقرارٌ أوضح.
وعيٌ يجب أن يتنامى.
ومسؤولية أكبر على عاتق المواطن.
إما أن نختار الكفاءة، ونبني على ما تحقق من استقرار، ونفتح الباب للتنمية والإعمار، وإما أن نعيد تكرار أخطاء الماضي، ونترك المدينة تدفع الثمن من جديد.
والمعادلة بسيطة:
أصوات واعية = مجلس بلدي قوي.
مجلس بلدي قوي = خدمات أفضل.
خدمات أفضل = سبها تستحق الحياة.














