مقاربة لمصطلح منطقة الشرق الأوسط

مقاربة لمصطلح منطقة الشرق الأوسط

محمد عثمونة

بعض المصطلحات والمسميات النعّتية التي تبلور وتضفي على شيء ما مُسمى يُعرّف ويُعرف به . في العادة تأتي متكئة على حيثيات ذات الشيء . ليستخلص منه مُسمى أو نعتا له، فمثلا: عندما نقول فضاء البنلوكس سيتجه النظر والفكر نحو الجغرافيا التي تتغطى بأرضيْ دول بلجيكا وهولندا و لوكسمبورج . فقد جاء هذا المسمى من مجموع الحرفين اللاتنيين الأولين لمسميات هذه الدول . التي تجمعها اتفاقيات دولية سياسية اقتصادية. أو عندما نقول منطقة البلقان سيتجه النظر والفكر نحو الفضاء الجغرافي الذي تتمدد على أرضه سلسلة جبال البلقان شرق غرب وتقسم بلغاريا شطرين، فقد جاءت واجترحت هذه الأسماء والمصطلحات متكئة على مفردة من حيثيات ذات المسمى. ولكن ثمت أسماء لمصطلحات لا تمتلك ترف استقلالية اجتراح مسمى تنعت به يتكئ ويستند على حيثيات كيانها. وهذه وفي الغالب يحتاج مُسماها ونعتها إلى وسيط مركز قطب . يُنسب إليه ومنه يتخذ مُسماه. فمصطلح و مُسمى منطقة الشرق الأوسط واشتقاقاتها دول الشرق الأوسط مشكلة الشرق الأوسط وحتى إذاعة الشرق الأوسط وجريدة الشرق الأوسط وكل ما يدور في فلك هذه الاشتقاقات ويتوالد عنها هو أحد المصطلحات التي تحتاج إلى وسيط إلى مركز إلى قطب تنتسب إليه ليُعرّف به. فهو شرق أوسط بالنسبة لمركزه وللقطب الذي يدور في فلكه. وبقول آخر إن هذا المسمى أو المصطلح ليس له فضاء يتمدد ويتسع باتساع العالم . بل فضاؤه محدود لا يتخطى مدار المركز أو القطب الذي يشدّه ويجذبه إلى فلكه. فهو شرق وأوسط للمركز وللقطب وليس لكل الفضاء العالمي. قد يكون ما سلف من قول حول مصطلح منطقة الشرق الأوسط. غير ذي بال إن توقف وانتهى عند هذا الحد وفقط . وأيضا قد لا يمثل داعيا وسببا كافيا لطرحه وتناوله بإعمال الفكر فيه وحوله . ولكن عندما نعرف ونحس ونلمس . أن هذا المسمى منطقة الشرق الأوسط نهض واستمر حاضرا وفاعلا وبقوة داخل المشهد السياسي الاقتصادي الثقافي . منذ قرابة قرن من الزمان ولا يزال. وإن ساكني وقاطني وشاغلي هذا الفضاء الجغرافي يتفاعلون ويتعاطون مع هذا المصطلح كنعت دلالي ومسمى لهم. نعرف بأنه مسمى ليس بجامد ولا ميت لا حراك له . بل تزداد قناعتنا رسوخا. بأن له (ماصدق) مادي معنوي . في هيئة كيان حي يتنفس الحياة ويشاغلها ويشتبك معها في اليومي وما بعد اليومي من شؤونها . عبر منظومة جغرافية ديمغرافية ثقافية فكرية سياسية اقتصادية عميقة . يتشكل منها البعد المادي المعنوي لمسمى منطقة الشرق الأوسط . وقد كان لهذه المنظومة العميقة وعلى نحو مستمر مخرجات دائمة السلبية . تطال بمردوداتها كل جوانب الحياة على اتساع هذا الفضاء الجغرافي. من تخلف يزداد اتساعه وتجذّره عقد بعد عقد من الزمان . يزرع البؤس واليأس في أرجاء هذا الفضاء . كان كل هذا مقرونا بقلاقل واضطراب وعدم استقرار انتهت وحتى وقتنا هذا . في حصادها وعلى امتداد هذا الزمن الطويل إلى حروب طاحنة لا تقل عددا عن العشرة اتخذت من جغرافية هذا الفضاء ساحات عمليات قتالية لتفاعلاتها المدمرة. ولكن قد تكون هذه المخرجات السلبية وحصادها المدمر . ليست بذات الوقع على المركز القطب . التي تنجذب إليه منطقة الشرق الأوسط ويشدّها إلى مداره . وأيضا قد تكون هذه المخرجات السالبة التي تشدّ وتسحب هذا الفضاء الجغرافي إلى قيعان البؤس والتخلف. من أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار حياة وديمومة هذا المصطلح بكامل طاقته وحيويته على امتداد هذا الزمن الذي يلامس قرنا من الزمان . وليس من الصعب الوصول إلى معرفة هذا المركز القطب إذا ما تتبعنا تاريخ ولادة وحياة مصطلح منطقة الشرق الأوسط . فقد جاء هذا المصطلح إلى دنيا التداول على لسان الغرب الأطلسي في صيغته البريطانية إثر ترتيبات دولية جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. طالت الفضاء الجغرافي لشرق وجنوب المتوسط تحت مسمى مشروع سايس – بيكو . ونعرف أيضا وبالاتكاء على الجغرافيا الطبيعية وملاحقة تاريخ ولادة المصطلح على يد القابلة الإنجليزية بأنها لا سواها من احتضنته بالرعاية والمتابعة حتى بلغ أشدّه واستوى في هيئة منظومة جغرافية ديمغرافية ثقافية فكرية سياسية عميقة. ولهذا وفي وقتنا الحاضر وفي حالتنا الليبية لا نستغرب كثيرا من التدخل السلبي غير المنتج للسفارة الإنجليزية في الشأن الليبي المتأزم. عندما تظهر بوادر انفراجه قد تنتهي بلملمة الليبيين لانقساماتهم في ثنائية التأزم والحرب . ثنائية شرق البلاد غرب البلاد. ومحاولتهم تخطيها من خلال حكومة الاستقرار الوطني فمشاغلة دولة الإنجليز للتأزم الليبي من خلال سفارتها بليبيا . كان دائما لا يصب فيما يفيذ ليبيا والليبيين . بل كانت دائما عينها على مصطلح منطقة الشرق الأوسط وكيفية استمرار وديمومة حياته فهي القابلة التي جاء إلى الوجود على يدها وهي مرضعته وحاضنته وراعيته , كما جاء سلفا . فالسفيرة ودولتها لا ترى في ليبيا سوى مفردة في كيان منطقة الشرق الأوسط وتعاملها مع ليبيا والليبيين لا يتخطى في مضمونه التعامل مع شيء تافه يدور في فلك تلك الجزيرة البريطانية البعيدة المستلقية على قفاها بساقين منفرجتين في عرض الأطلسي . تغتسل وعلى نحو سرمدي بمياهه شديدة الزرّقة. كنت أحاول الوصول بالقول بالاتكاء على كل ما تقدم إن كل انتفاضات 2011 م . التي جاءت لمشاغلة والاشتباك مع الواقع المتخلّف في بعض الكيانات الجغرافية السياسية التي يتشكل منها الفضاء الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط. قد كانت وفي مجملها ذات مطلب خدمي تنموي تسعى إليه من خلال التأسيس لحوكمة رشيدة يكون شُغلها الشاغل بعث بنية تحتية خدمية تنموية قد تنتهي إلى إنتاج بيئة اجتماعية ثقافية سياسية اقتصادية إلخ… ترتفع بالحياة إلى مستوى يليق بحياة الآدمي على الفضاءات الجغرافية التي كانت حواضن للانتفاضات. وقد فوجئت انتفاضات 2011 م . باستنفار استثنائي لمصطلح منطقة الشرق الأوسط في بنيته ومنظومته العميقة. وعلى جميع المستويات المحلي والإقليمي بمساندة ودعم دولي في جهد مكثف يهدف إلى ترويض وتدجين الانتفاضات ومن ثم إجهاضها وفي تدخل سفارة الإنجليز غير الإيجابي في مسار الانتفاضة بليبيا من الشواهد الساطعة على ذلك. فقد كانت الانتفاضات وكما أسلفنا ذات بُعد ومطلب خدمي تنموي. ولا يظهر في قوس نيران اشتباكاتها سوى مفردة التخلّف وتوابعها فما الذي استفزّ حتى الاستنفار منظومة منطقة الشرق الأوسط العميقة؟! ودفعها للاشتغال وبجهد استثنائي يهدف إلى وأد الانتفاضات ودفنها فهل مصطلح منطقة الشرق الأوسط في منظومته العميقة جاء للمحافظة على تجذير التخلف ونشره على اتساع هذا الفضاء المنكوب؟ وإذا كان كذلك فهل مصطلح منطقة الشرق الأوسط كان مرادفا لمفردة التخلف وتوابعها؟! . وهذا ما دفعه إلى الاستنفار عندما نهضت انتفاضات 2011م . وشرعت تؤسس للمُشاغلة والتخلف والاشتباك معه. وهذا يجعلنا نستفهم وعلى نحو مباشر . فنقول :هل اشتباك سفارة الإنجليز مع مجريات الانتفاضة الليبية في أحد وجوهه انحياز إلى نشر التخلف وتجذيره في هذا الفضاء الجغرافي الواسع؟ وإذا كان كذلك فعلى وسائل الإعلام بتنوعاتها أن تقول ذلك للناس بليبيا من خلال حضور دائم في المشهد الإعلامي لأن الليبيين المتضرر الأول من ذلك. وقد يلزم هذا الإنجليز بالتعامل على نحو موضوعي مع ليبيا والليبيين وحقهم في التأسيس لحياة كريمة. مقاربة لمصطلح منطقة الشرق الأوسط (2) كنت أحاول الوصول بالقول في كل ما تقدم من تحت هذا العنوان فيما سبق وسأتخذ في هذه المرة من الحالة الليبية أنموذجا إن مصطلح الشرق الأوسط ما كان له أن يستمر في الحياة بهذه الحيوية على امتداد هذا العمر الطويل الذي قارب على قفل قرن من الزمان . لو لم تقيض له حاضنة اجتماعية ثقافية فكرية اقتصادية سياسية تسهر على إدامته وترعى كل ما تأتي به مخرجاته حتى وإن كانت لا تخدم التطلعات الخدمية الإنمائية التنموية لفضاء جنوب وشرق المتوسط. لأن هذه المخرجات جاءت لضمان استمرار هذا المصطلح في منظومته العميقة على جغرافية شرق المتوسط وجنوبه. ومن الشواهد الساطعة التي تؤكد ذلك تتمثل في آخر إصدارات منطقة الشرق الأوسط. التي جاءت في هيئة رموز وأسماء ومؤسسات ومنها: الظواهرى . بن لادن . الزرقاوي. الترابى . البغدادي. وما يقابلها على غرار : المرشد . الملهم . الرفيق . رسول الصحراء . مقرون كل هذا بمسميات ومنها: القاعدة . أنصار الشريعة . داعش . وكل الاشتقاقات الحركية التي جاءت من صلب هذه الأسماء والمسميات. وكانت جغرافية شرق المتوسط وجنوبه حاضنة لهذا التخلف الذي اتخذها أوكارا لتوالده وأعشاشا لصيصانه . فعندما انتفضت مع 2011م بعض الكيانات التي تُغطي بفسيفسائها بعض الفضاء الجغرافي لشرق وجنوب المتوسط وكان مطلبها الرئيسي خدمي إنمائي تنموي جاعلة من هذا المطلب متكئا قد تتمكن ومن عليه الارتفاع بالحياة. إلى درجات ومستويات تلامس البيئة الاجتماعية الثقافية السياسية الاقتصادية التي تليق بحياة الآدمي الذي كرمه القدير على كثير مما خلق . وهذا الطموح ومن الطبيعي لا يمر ولا يتم ولا ينهض إلا على أنقاض التخلف وتوابعه في صوره العديدة. ولكن هذا التخلف وتوابعه له مفهوم أخر عند مسمى منطقة الشرق الأوسط في منظومتها العميقة فهو لا يمثل لها غير خزان الطاقة الذي حافظ على ديمومتها وبهذا القدر من الحيوية كرقم صعب داخل المشهد المحلي والإقليمي الدولي على امتداد هذا الزمن الطويل. كنت أحاول القول إن هذا التأزم الذي تمور وتميد به منطقة الشرق الأوسط والذي يُعتبر الفضاء الجغرافي الليبي أحد مفرداتها لا يجب رده في حالتنا الليبية وفي جميع حالاته إلا إلى صراع بين انتفاضة محلية وطنية جاءت تُشاغل وتشتبك مع هذا البؤس الذي يشدّ البلاد إلى قيعان التخلف ويُركسها في حضن حياة تعج بكل ما يسفّه آدمية الإنسان ماديا ومعنويا. في مقابل طرف آخر ظهر فجأة في قوس اشتباك ومشاغلة الانتفاضة للتخلف في كل صوره المتجذرة في هذا الفضاء المحلي والإقليمي يتمثل هذا الطرف الآخر في منظومة اجتماعية ثقافية اقتصادية سياسية عميقة تُغطي فضاءً محليا إقليميا مسنودة ومدعومة بقوة دولية يرى هذا الآخر أن كل ما جاءت الانتفاضة لأجل تفكيكه وإزاحته من على صدر الليبيين لا يمثل عنده ولا يعتبره عدوا وعقبة بل لا يرى فيه غير إكسير للحياة الذي استمد منه ولا يزال ديمومة وجوده وحضوره وبهذا القدر العالي من الفعالية في داخل المشهد المحلي والإقليمي والدولي على امتداد هذا العمر الذي قارب قفل قرن من الزمان. واستنادا على كل ما تقدم كنت أحاول أن أصل بالقول إن كل المقاربات الدولية التي تسعى إلى تفكيك التأزم الليبي لا يجب عليها التغافل عن حقيقة ما انتهى إليه كل ما تقدم , إن كانت جادة وصادقة في مسعاها نحو حلحلة التأزم وتفكيكه بأن تجعل من الشريك المحلي الذي جاء وتبلور على يد الانتفاضة الليبية بعد مخاض طويل وعسير دام عقدا من الزمان ونيّفا عبر لقاءات تمت بين غرب البلاد وشرقها انتهى إلى كسر هذه الثنائية التي كانت تُغذي التأزم والحرب على مدار السنين العشرة الفائتة وأنتج بحراكه جسم تنفيذي في وزارة الاستقرار الوطني. مسنودة ومدعومة بجيش تمكّن من تفكيك منظومة الاغتيالات والسيارات المفخخة والخطف والابتزاز التي كانت تعبث بشرق البلاد وجنوبها. فيجب على الهيئة الأممية – في تقديرى – عدم الالتفات إلى الأجسام الأخرى الموازية التي جاءت وفي الحالة الليبية من رحم مؤتمر الصخيرات وتوابعه . إلا إذا كانت الهيئة الأممية – ولا أظن ذلك – ترغب في إعادة تدوير مصطلح الشرق الأوسط في منظومته العميقة . الذي ظهر وفجأة في قوس اشتباك ومشاغلة الانتفاضات للتخلف في جميع صوره ووجوهه المتجذر في هذا الفضاء المحلي والإقليمي لجنوب وشرق المتوسط . وفي ذلك بدون ريب خطر على الاستقرار والسلم الدوليين في منطقة حيوية تتموقع على ضفتي شرق وجنوب المتوسط الرابط بين ثلاثة من القارات الأكثر كثافة سكانية والأكثر موارد طبيعية في هذا العالم .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :