عمرو السيد أبوجودة
الأساطيرُ تقولُ أنّ الأميرةَ قد تعشقُ صيادًا، أو خادمًا، أو فقيرًا، لكنّ الأساطير لا تقول أبدًا أنّ الأمر يمرُ سهلًا وعاديًا. فقبل أن تنتهي سيلين من سماع أغنيتها المفضلة وهي مستلقية على فراشها، كان هناك ثلاثة رجال أشداء بوجوهٍ جامدةٍ وأكفٍ خشنة يقتربون من سُلم الخواجات.
لم ينتبه عمر لهم، كان مسحورًا بالنغم. لكن وبعد أن أمسكه أحدهم من رقبته ووقع الناي على السلم، أفاق، لم يقدر على النظرِ للوراء، كانت الأيدي الخشنة قد أحكمت قبضتها على الرقبةِ تمامًا، وجنياتُ النهرِ الراقصات صرن فجأة شياطين يحملون الموت على أطباقٍ صدئة، بشعة المنظر، نتنة الرائحة، تمامًا كبشاعة الخيانة، ونتانة الظلم. نزلوا به السلالم، قيدوا يديه ورجليه ثم وضعوه في الماء وداسوا عليه بأقدامهم، وضعوه في الماء في اللحظة التي كان أحوج ما يكون فيها لنسمة هواء. فقاعات وفقاعات، بدا الماء كأنه يغلي، اختناق، موت. صرخةٌ عاليةٌ أتت من الجنوب، هزّت المدينة، سكون، صمت.
استفاقت سيلين على صوتِ الصرخة، نظرتْ من شرفتها، رأت الرجال الثلاثة يصعدون سلم الخواجات، كيف رأتهم؟ لا أحد يعلم! كيف سمعت صوت كسر الناي حين داسه أحدهم؟ لا أحد يعلم! لكن الذي يعلمه الجميع أنها منذ ذلك اليوم لم تعد سيلين.
الباشا الكبير ابتهج حينما أخبروه أنهم نفذوا أمره، قال: “كلب وغار”. رغم أنّه لم يُلق بالًا للصرخةِ التي هزّت المدينة، إلا أنّه وبالتأكيد ألقى بالًا لصرخات كاثرينا الفَزِعة، هُرع إلى غرفة سيلين، وجدها صامتة لا تنطق أبدًا، فقط دموعها تُغرقُ وجهَها، كلّمها، لا ترد. التمس لها الأطباء، لا تُشفى، قساوسة، رهبان، سحرة، عجائز راسخات في علاج العشق، لكنّها لا تشفى! جُنت سيلين، لم تأكل، لم تشرب، ذبلت كوردة مُنع عنها الماء. إحدى العجائز أخبرتهم أنها ليست مريضة بالعشق، ثمة روح مظلومة علِقت بها فقط. لكن لا أحد صدّقها، الكل قال: عجوزٌ خرِفة.