سالم أبوظهير
من أهم مؤلفات عالم الأجتماعي الفرنسي غوستاف لوبون الذي حقق شهرة كبيرة، وأعيدت طباعته مرات عديدة ، وتمت ترجمته إلى عدة لغات كتاب: سيكولوجية الجماهير، الذي نقدم ملخصا موجزاً له.
في هذا الكتاب قدم لوبون تفسيرات مهمة حول الأسباب التي تجعل الجماهير تثور. وحاول الإجابة على عدة أسئلة مهمة أهمها : كيف تفكر الجماهير ، وكيف تتصرف؟، ومتى وكيف يمكن لجموع الناس العاديين أن يؤثروا في صنع الأحداث في كل مكان وزمان؟ فيتم قلب أنظمة حكم قائمة، عبر الجماهير البسيطة ، ويتم التأسيس لنظم حكم جديدة بشكل سريع.
الكتاب مكتوب منذ عام 1895م، في وقت كان حكام فرنسا يعيشون في رعب وخوف شديدين ، بسبب ثورة جماهير الطبقات الشعبية وجموع الكادحين الفرنسيين عليهم ، وَكُتِبَ تزامنا مع شبح الثورة الفرنسية التي قامت في 1789م، ومع فشل رؤوساء الجمهوريات الخمسة في انقاذ البلاد الفرنسية، فكانت شعارات الفشل والفوضى والانقسام عنوان ثورة الجماهير على الملكية .
وشخص غوستاف لوبون عبر هذا الكتاب النظام البرلماني القائم على أنقاض الملكية التي لم يثن علىها ، بل تناول بدون مجاملات ما حصل من فوضى في تلك البرلمانات بعد سقوط الملكية ، ودعا إلى إصلاح النظام البرلماني، كاشفا بعض مافيه من فساد وطمع وانتهازية ، مؤكداً على أن أن فساد البرلمانات سبب من اسباب إستمرار الفوضى.
من جانب أخر قدم غوستاف وصفا دقيقا وتحليلا نفسيا للجماهير، وبين كيف يمكن لفكرة بسيطة حتى وأن كانت غير صحيحة و غير منطقية أن تجعل الجماهير تخرج للشوارع وتثور وتطالب بسقوط النظام السياسي .
في الكتاب قال غوستاف: أن الجماهير إذا تارث وخرجت على الحاكم ، فأنها ستكون غير قادرة على استيعاب الحجج العقلية، لأنها ستكون في حالة اللاوعي، وستصبح تصرفاتها غير متوقعة وهدامة وسهلة الانفعال وسهلة التحريض وسهلة الاستجابة، لذلك هي دائما تستجيب لرادع يلجمها، حتى وإن عاملها كالقطيع. وإذا ما وجدت الجماهير هذا الزعيم وأقتنعت به، انقادت إليه بدون أي تفكير، ويصبح الأعداء بالنسبة لهم هم أولئك الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابهم بكل مايقوله ويفعله الزعيم.
لوبون يرى أن الجماهير تتكون من مجموعة أفراد، وأن الفرد الواحد إذا انخرط في الجماهير، سيكتسب صفات جديدة ما كانت موجودة فيه فتذوب شخصيته فيها، ويتحرك مع المجموعة (كالتفاعل الكيميائي) ويتصرف مندمجا دون حتى وعي منه ودون حتى الحاجة لوجودها في مكان معين (اللامكانية)، وأن فكرة واحدة يسوقها الزعيم عبر أي وسيلة، قد تترسخ في ذهن الجماهير، وتنتقل بسرعة كبيرة كما تنتقل العدوى أو الجراثيم.
والغوغاء والرعاع عندما ينضمون للجماهير، يشعرون بذاتهم، ويكتسبون قيمة جديدة ، وهذا دلل عليه لوبون بما حصل في الثورة الفرنسية من تحول أفراد كانوا في قاع المجتمع عاطلين عن العمل أو أصحاب مهن متواضعة ليتحولوا بعد الثورة مستندين لفوهات بنادقهم إلى ضباط في الجيش وقواد عسكريين كبار، وتحتهم ضباط كانوا يحملون أوسمة وأنواطا ورتبا عسكرية.
الجماهير (بحسب لوبون في هذا الكتاب) ذاكرتها ضعيفة ،ولا تحترم إلا القوي والمستبد، وأن من يقود الجماهير ويؤثر فيها، يكفيه فقط أن يكتسب عن طريق المال أو الجاه أو القوة كهيبة أو كاريزما معينة لتشل كل الملكات النقدية للجماهير، فتختفي بذلك عيوب الزعيم كلها وتصبح أوامره نافذة وتحترم دون تفسير منطقي وواضح لذلك، ويستدرك أن الهيبة الشخصية تنتهي بمجرد فشل الزعيم في تحريك الجماهير.