- أيمن قاسم :: صحفي سوري
من لا يعرف مصر إلا من خلال أهراماتها الشامخة وسط الصحراء، أو من خلال نيلها الذي يخترق عاصمتها القاهرة.. أوحتى من خلال ما تنتجه السينما من أفلام.. عليه أن يتجه الى اقتناء رواية– من أوراق شاب مصري – للشابالمثقف حمزة قناوي
في روايته من “أوراق شاب مصري” يأخذك الكاتب وبطل الرواية في آن معا عبر فصول كتابه في رحلات متعددة ومشوقة، فتارة أنت في خضم ما يشبه الكوميديا السوداء وتارة أنت في لجة بحر عميق من الأبحاث والدراسات التي تحاكي الواقع المصري الحديث الذي يئن تحت ثقل البطالة والفقر والعوز بفضل حكمٍ استبداديٍ عقيم أشبع شعبهبالوعود التي لم يف بها وبالكثير من الاحلام التي تحولت بعد سنين الصبر والقهر والحرمان الى أوهام ودولة غارقة في الفساد والمحسوبيات والرشى تاركاً أم الدنيا بلا دنيا ولا آخرة.. واقع استفاق عليه المصريون ليجدوا سماءهم مكفهرة كئيبة امتلأت كما قلوبهم بغيوم سوداء داكنة لا حل لها.
ينشط حمزة قناوي في أزقة مصر وشوارعهاكل يوم.. فهو يبحث عن عمل.. عن أمل.. عن بقعة ضوء في نفقٍ طويل لا يبدو أن له نهاية.. فهو مهموم بمستقبله.. وهو في سعيه البائس نراه يبحث في كل مرة عن حصاة ليركلها في تعبير دقيق وجميل عن معاناة الانسان المصري الذي يتعرض في حياته اليومية الى الكثير من الركلات التي تنال منه ومن كرامته، فها هي السلطة التي قامت بسرقة كل حقوقه الطبيعية في العمل وحقه في الحياة الكريمة والسكن والمأوى هاهي تتركه وحيدا ومسفوعا في مواجهة حياة قاسية مجبولة بالعرق والدم ومسلطة عليه أجهزتها الأمنية ومخبريها للسطو على آخر ما يمكن أن يملكه (الكرامة).. في هذه الرواية نجد أن المواطن المصري المشهور في محيطه العربي بوطنيته الفذة قد أصبح لا مباليا بكل الشعارات التي تطرحها أنظمته المتعاقبة عليه بسبب سئمه وملله، وفقدان ثقته بدولته، وتضخم كرة ثلج أزماته التي تزداد كل يوم ضخامة وانحداراً .. ما يذكرنا بشخصية حنظلة الفلسطيني الذي ابتدعه رسام الكاريكاتير الشهير ناجي العلي وهو يدير لنا ظهره غير عابئ بهموم أمته ولاتثير اهتمامه أية قضية أو صورة مهما كانت مؤلمة
هذه الرواية تختلف عن باقي الروايات من حيث أنها يجب أن تتضمن بداية وعقدة ونهاية، ومن حيث انها لا تخلو من التوثيق لتاريخ مصر ما قبل الإطاحة بنظام حسني مبارك، من خلال قراءة تحليلية وعلمية استندت الى دراسات وأبحاث أسهمت في شرح الواقع المعاش واستشراف المزاج المصري العام وبالتالي النهاية الحتمية لنظام أوغل في الفساد على حساب أوجاع الفقراء وتهميش النخب المثقفة وتحويلها الى أدوات تعمل لحسابه وتثرى على حساب المصريين الذين بات تأمين لقمة عيشهم من أكبرهمومهم.. فالهزائم تحولت الى انتصارات، واهمال الدولة الى إنجازات،والرجال الشرفاء الى أصفار لا قيمة لها، وبات رجل الأمن الرجل الأهم في دولة القمع البوليسية.. لذا كان لابد من الانفجار الكبير بعد عمليات الضغط الهيدروليكي على هذا الشعب البائس ونهاية مرحلة من مراحل تاريخ مصر.
وأخيرا ورغم قتامة الصورة، يطل طفل الكاتب في نهاية المشهد وهو يطيل النظر الى النيل العظيم مبشرا بولادة أمل جديد بعد المخاض العسير في ليل مصر الطويل.. يقترب من كف أبيه ويرشف منها مياه النيل في إشارة جميلة على عدم خيانة هذا الماء.. فكل من شرب من النيل قُرأت عليه تعويذة الحب لمصر
ولا يهم بعد ذلك قول الأم الأجنبية وهي مستاءة ” هل هذه هي مصر حقاً التي سمعت عنها طيلة حياتي؟”
حقاً لا يهم فالطغاة الذين حولوها الى خرائب سيذهبون وستبقى هي معجونة بحب أبنائها الذين سيرفعونها عاليا وإن جيلا بعد جيل.