من رواية ” أنشودة شمس “

من رواية ” أنشودة شمس “

  • بشرى أبو شرار

بعيدة كنت يا أمي، تقطعين الأرض بين مدارات الطول والعرض، تلتقمين من طعام المدن، تتنفسين هواء الغربة، وتقطعين الطرقات عدواً، لتلحقي بوطن عابر سبيل، تلتقطين على كتفيه أنفاسك، تدغدغ روحك نسائم العودة، تقولين:

– لا مذاق يماثل طعامنا، ولا هواء نتنفسه إلا في أوطاننا، رمالنا هناك صفراء هدية الذهب من روح الشمس.

أماه.. هل عدت إلىَّ بعد طول فراق؟ أقتفي أثرك في عالم أثيري، ترينني ناصعة عن كل الحقائق، وتموت لغة الكلام التي سدت ما بيننا، كنت اتوه فيها لأجد كلمة أصل بها إليك، وأرجع خائبة، باكية على نهر الطرقات.. اليوم سترينني وتدخلين قلبي، تقاسمينني روحي وتعرفين ما لم تمهلك الحياة بطولها أن تدركيه مني، كنت تمتطين الأسفار وتعشقين التجوال في مخلاة ملقاة على كتف وطن عابر سبيل يمضي بنا ولا يقيم، اليوم أخذت رحلة مغايرة، رحلة أبدية أزلية، تقاسمينني دمعاً حراً يلمع من روحك ومضات توقظ فيك السبات، تعودين لي، تستعيدين قلبي وأستعيد فيك روحي..

تباً لهذه الأرض التي غربتنا بعد لقاء..

تباً لأيام مهلكات، تغتال فيَّ فرحة أنت صاحبتها، وعزة هي الهدية منك، تباً لكل المعاني الجائرة وكل الذكريات المظلمة التي تأخذنا إلى هلاك.. اليوم أنت لي، لي أنا دون شريك..

قرطي تلمع أحجاره في أذني، يطن، أسمع معزوفة الرحيل وأنشودة الفراق، وأذني الصائمة على حكاية قرط خلعتيه من أذنيك هدية، يومها حاولت أن أبقيه لك، قلت لي:

– يوم موتي ستكونين بعيدة، وسيخلعونه عني نسوة غريبات، وتأخذهم الحيرة، كيف يردّونه لصاحبته، بيدي أنا يا حبيبتي أخلعه عني ليزين أذنك، اليوم تلمع أحجاره في أذني، بريقه يأخذني لعين الشمس، تتعلقين على وهج قرط يبحث عن صاحبته التي هي أنت..

* * * * *

من فصول روايتي ” أنشودة شمس ” كنت أكتبها  من فضاء الكون ، رحلت أمي ورحيلها أعادني الى روح الوجع ….

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :