من رواية “عراة تحت الشمس”

من رواية “عراة تحت الشمس”

  • روضة الفارسي

في ساعات ذلك اليوم عبث الزمن غير الثابت كعادته بكل شيء وقد علت محياه الثقة والدقة والصبر. وتحركت الريح فلاعبت ساعة الحائط، عندها حدق فارس في ساعة الصالون ثم في الخارج عبر بلور النافذة، فإذا به أصبح رمادياً مسودّا.

تدخل عليه رواء فجأة وهي تقول:

ـ لِمَ أطفأت جهاز التلفاز يا فارس؟!.

ـ لقد تأجج بي حجيم آخر وأنا أشاهد الإنفجارين الإرهابيين اللذان أصابا مجدداً أرض الشام .

تجيبه وفي صوتها ألم بليغ وسخرية قاتلة:

ـ هنيئاً لأوطاننا هذه المجوعات المدربة على الاجرام و الإرهاب، هؤلاء المستعدون لبيع كل شيء مقابل الدولار.

يقول بألم ساخر موغل في الوجع:

ـ وهنيئاً لنا الجهل وقلب مفاهيم الدين و مبارك علينا هؤلاء الذين يحلمون (وهم يروعون الصغار والكبار ويذبحونهم) بالجنة ونكاح الحوريات

ـ آه يا أخي، آه يا أخي، سأعود الآن إلى المطبخ، إن شئت شاهد فيلماً، أو اقرأ كتاباً، فمكتبتنا أيضاً تزخر بالكتب.

تتجه مسرعة إلى المطبخ، لكن فارساً يمشي في الصالون ببطء شديد وقد مزق قلبه الوجع و اثقلت خطاه الخيبة… يعيد النظر في الأطر وأرائك الصالون المتوحدة بألوان الستائر التي تحمل ألوانا بنفسجية مطرزة بالفضي ثم بالمكتبة التي يجلب منها كتاباً، يتصفحه بيأس وقد ارتبكت يداه فتستوقفه هذه الفقرة:

إن الطفل- ذلك الينبوع من البراءة والنقاء – ما كان ليتشوه ويتعفن لو لم تحرمه عائلته بلا رحمة من الحب والحنان ، فلا سبيل بعد ذلك إلا أن يرضع بدلاً عنهما من سم البغض و صديد الحقد…ولعل تلك العائلة حين يصبح ذلك الطفل رجلاً، أول من يتساءل من أين أتى لابنهم هذا الإجرام و كيف سمح لنفسه أن يتغلغل داخله كل هذا الإرهاب؟

يغلق الكتاب متنهداً حزيناً،.يأتيه صوت أخته من المطبخ:

ـ هل تحب أن أجلب لك عصيراً أو شيئاً من المطبخ.

ـ لا أخية، شكراً.

يخرج من الصالة، يمشي في الممر، رائحة السمك المشوي مع حساء الخضار الشهي تأتي من المطبخ مصحوبة بأصوات الأواني ومياه الحنفية، يقف قليلاً أمام المطبخ مفكراً بزوج أخته دائم الغياب، ثم يتجه إلى غرفة الطفلين.

يكلم طه خاله وهو يريه صورة:

ـ خالي، انظر هذه الزرافة إنها تشبه تلك التي رأيناها اليوم في حديقة البلفيدير، وهذا الفيل أيضاً، وهذه الأسد أخٌ لذلك المحبوس في قفص حديقة الحيوانات.

يقول له فارس بلطف وحب:

ـ وهل خفت يا طه من الأسد ؟

ـ لا يا خالي، فقد حز في نفسي أن يكون الأسد أسيراً.وأيضاً النمر والبلابل وكل الحيوانات التي في أقفاص. كنت أتمنى أن أرى كل الحيوانات طليقة..

ـ ………

ـ وأما الحيوانات المفترسة، فأحب أن تبقى في مكانها في الغابة وسأكتفي بمشاهدتها في التلفاز.

يهز فارس أكتافه متنهداً :

ـ ولكن ماذا بأيدينا نحن؟ الإنسان يا طه يحلو له أن يكسب و أن يتمتع على حساب ألم الإنسان و تعذيب كل الكائنات الأخرى.

يجلس بين طه وتغريد المنشغلة بتصفيف الأوراق الملونة.

تداعب يده شعر تغريد المنسدل الأشقر ويقول برقة:

ـ وأنت ماذا تفعلين يا “تيغا”؟

ــ ألصق الأوراق الملونة في الدفتر.

……………

ـ أنظر خالي، الورقة الزرقاء السماء الفرحة .

ـ والسوداء؟

ـ سماء حزينة .

ـ و هذه البنفسجية؟

ـ

ـ أنا أحب اللون البنفسجي كثيراً ، إنه لون أحلامي .

ـ و الخضراء؟

ـ القلب .

ـ ولكن القلب أحمر؟

ـ هو يبدو أحمر ولكني أراه أخضر تماماً ، كريم وجميل كالمروج والكروم والأشجار.

و هذه الورقة الوردية؟

ـ لون الورد… والحمراء أيضاً… كل الزهور تهدينا حسنها وعبقها دائماً يا خالي.

والبيضاء؟

ـ الحب يا خالي أبيض كالياسمين وعطر وصافي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :