- سنية مدوري
قبل نتيجة البكالوريا بيوم كنت افترش “كليم” واتمدد على الأرض لشدة الحرارة.. اغفو قليلا واصحو لآخذ جرعة هواء من مروحة ورقية صنعتها بيدي.
وكنت مولعة بالاستماع إلى الراديو رغم تذمر أبي الذي يظن انه يستهلك الكثير من الكهرباء. إذ بي أسمع نشرة الثالثة مساء للأخبار، وأشار المذيع انه بالإمكان التعرف على نتائج الباكالوريا عبر الموزع الصوتي.. قفزت من مكاني ونز العرق من بدني وذهبت إلى الغرفة المجاورة لأخبر والدي _ في الحقيقة هما غرفتان لا أكثر، واحدة لوالدي ووالدتي وبقية اخوتي والثانية وهبها العائلة لي لانني أدرس باكالوريا _.. أمي يومها لم تكن بالمنزل.. كانت تعمل في إحدى ضيعات الفلاحة.. كانت تقول لنا أنا أعمل لتدرسوا ولا تحتاجوا لأحد… رافقني أخي الصغير إلى المدينة.. بعد لأي وعذاب شديد حيث أن عربات النقل الريفي لا تتوفر بسهولة في قريتي “مجاز الشرف” وهو أمر مستمر حتى الآن. وصلنا المدينة فنزلت مسرعة الخطى الى أقرب “تاكسيفون” ووضعت قطعة نقدية من فئة خمسمائة مليم وأنا ارتجف واصابعي الصغيرة تنقر على ارقام متتالبة… في الحقيقة كنت خائفة من عدم نجاحي رغم تأكدي منه فقط من اجل ما عانت أمي من أجلي وهي تعمل صيفا، حيث انها في تلك اللحظة لم تكن بالمنزل وأنا أعود ببشائر النجاح. لم تكن هناك لتعانقني وتزغرد.. بقيت أعلق فرحتي منتظرة قدومها.. جاءت أمي وبمجيئها قدم الجيران ليباركوا النجاح وعلت الزغاريد. شربنا أصنافا من المشروبات واكلنا “القوفرات”. على أيامنا كل شيء كان بسيطا. ولكن طعم النجاح هو نفسه..
في الغد اصطففنا أمام المعهد وبدأ مكبر الصوت يحدث فرقعة صغيرة سرعان ما تلتها أسماؤنا وكنا نصفق جميعا عند سماع اسم أحد الناجحين ونأسف جميعنا عند إخفاق أحدهم.. عدت على أسعد ما يرام.. فوجدت والدي قد ذبح خروفا احتفاء بنجاحي واجتمع الأهل والأقارب من كل حدب وصوب.. ومرت الليلة سعيدة جدا.. في الغد أعطيت ما جمعت من مال من المهنئين لوالدي كي يدفع ثمن الخروف الذي اشتراه من جارنا دون أن يدفع ثمنه…