من “فتح الشاكرات” إلى قروبات الديفا رحلة مثيرة للجدل لعلم الطاقة الكونية

من “فتح الشاكرات” إلى قروبات الديفا رحلة مثيرة للجدل لعلم الطاقة الكونية

قروبات الطاقة وتأثيرها الخفي على النساء

قوة الطاقة أم خداع مميت؟ قصص الفتيات داخل قروبات الديفا.

تقرير : بية فتحي

بينما تقبل كثير من النساء  على دورات التنمية البشرية أملاً في تحسين الذات وصقل المهارات، ظهر على الساحة ما يُسمى بعلم الطاقة الذي يختلط على الناس أمره بين كونه تدريبًا مشروعًا للروح والعقل، وبين كونه ممارسات دخيلة ذات جذور وثنية.

هذا العلم الذي وُلد في تسعينيات القرن الماضي تحت شعارات براقة مثل تحقيق التوازن وجذب المال ،  سرعان ما تحول إلى جدل واسع بعدما حذر علماء الدين من خطره على العقيدة، في الوقت نفسه الذي شكك فيه العلماء والباحثون في أي أساس علمي له.

وفي ليبيا، أخذت الظاهرة طابعا مقلقا مع ظهور قروبات مغلقة على موقع فيسبوك تعرف بين المنضمات إليها باسم الديفا ، هذه القروبات تستقطب الفتيات عبر كورسات مدفوعة تبدأ بتمارين تأملية وذكر، ثم تتدرج إلى طقوس غريبة كفتح الشاكرات وهي مراكز طاقة مأخوذة من الديانات البوذية والهندوسية وصولًا إلى الإيمان بقدرة الأحجار على جذب الرزق أو التواصل مع الأرواح.

البعض انتهى به الأمر إلى كوابيس ومسّ شيطاني وخسائر مالية كبيرة، فيما رأت أخريات أن الأمر لا يعدو كونه تدريبات نفسية تمنح بعض الاسترخاء.

الخطورة الأكبر تكمن في الخلط بين التنمية البشرية كمسار علمي مشروع لتطوير الذات، وبين علم الطاقة الذي يتسلل عبر نفس البوابة مستخدمًا المصطلحات ذاتها. كثيرون يلتحقون بتلك الدورات وهم يظنون أنها برامج لرفع الكفاءة الشخصية وتحقيق السلام الداخلي، لكنهم يفاجؤون لاحقا بممارسات تمس العقيدة، وتجرّهم إلى أوهام ما بين الوثنية والشعوذة، مغلفة أحيانًا بآيات من القرآن والأذكار.

انتشار هذا التيار عبر الإنترنت وتضاعف عدد القروبات المغلقة التي تسوّق له، جعل القضية أكثر إلحاحًا، خاصة مع تزايد شكاوى نساء وقعن ضحية هذا العلم المزعوم ، بين من خسرن أموالهن وصحتهن النفسية، وبين من يصررن على أنه مجرد تمارين لا تتعارض مع الدين، ولا تهدد العقيدة

تجارب من قلب الواقع

قالت إحدى المشتركات في قروبات “الديفا”، وهي طبيبة وأم لأطفال، إلى أن انخراطها في الدورات جاء بدافع الفضول والرغبة في تطوير الذات، موضحة أنها دفعت حوالي 20 ألف دينار ليبي مقابل الاشتراك.

وبينت أن البداية كانت مع تمارين بسيطة للحفاظ على الأذكار وقراءة سورة البقرة، وتنظيف “الغبرة” باعتبارها طاقة سلبية، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى طقوس جذب المال والنجاح الشخصي.

وأكدت أنها كانت تشارك في جلسات مسائية طويلة، مع إضاءة خافتة وتشغيل موسيقا ومؤثرات صوتية، مشيرة إلى أن المدربة كانت تقرأ نصوصًا محددة وتفرض الالتزام التام، ورأت أن النتائج المالية الأولية مثل شراء سيارة وذهب جعلتها مقتنعة بفاعلية الطقوس.

وأشارت أن الدورات توسعت لتشمل فتح الشاكرات، ما أدى إلى آثار نفسية وروحية قوية، بينها كوابيس مستمرة، ورؤية أشكال حيوانات غريبة، والشعور بالخوف والاضطراب، وأشارت إلى أن المدربة حاولت تبرير هذه الظواهر بأنها مجرد مخاوف طبيعية تظهر في الأحلام، بينما شعرت المشاركات بالضعف وفقدان السيطرة على أنفسهن.

وأكدت مشتركة أخرى أن استخدام الأحجار المزعومة لجلب المال والحماية كان مرتبطًا بالطقوس، مشيرة إلى أن شراء هذه الأحجار كان محددًا بأماكن وأوقات معينة، ورأت أن تسبيحات وأدعية غريبة رافقتها خلال التجربة، مشددة على أن فتح الشاكرات أدى إلى دخول طاقات شيطانية وعقد مس عاشق، مسببة كوابيس مستمرة، ورهاب، وخوف دائم على النفس والأطفال، بحسب شهادتها، وأن العلاج الشرعي استغرق وقتًا طويلًا للتعافي.

وأشارت  إلى أن الطقوس بدأت بشكل مشروع من ناحية التسبيح والذكر، لكنها تحولت تدريجيًا إلى ممارسات غريبة وغير مريحة، وأن أي نقاش أو تساؤل حول الجوانب المالية والروحية قوبل بالمنع والحظر من قبل المسؤولين بالمجموعة .

ووصفت  المشتركة ” م ،ع” شعورها بالرعب عند رؤية ريشة تحت الوسادة في أول تجربة لها، مؤكدة أن الثبات على العقيدة كان العامل الوحيد الذي أنقذها من الانزلاق أكثر في الطقوس،

وبينت  ن ع. مشتركة سابقة  في الدورات بالمجموعة الخاصة ، أن الشاكرات الهندوسية تعتبر بوابة لدخول الطاقات الشيطانية في الجسم، مشيرة إلى أن فتح العقدة الأولى والثانية يؤدي إلى المس العاشق، بينما العقدة السادسة والسابعة تمثل خضوعًا كاملًا للطاقة المظلمة، مؤكدة أن العلاج صعب وطويل.

وأوضحت أن المدربة علمتهم طرقًا للتواصل مع الأموات، وهو ما اعتبرته المشاركات مجرد خداع لإيهامهن، وأن كل محاولات التواصل كانت مع الشياطين وليس الأرواح.

وأشارت مشتركة أخرى إلى أن الطقوس الليلية، والإضاءة الخافتة، والشموع الملونة، والأدوات المحددة تحت الوسائد أو على الجسم، شكلت بيئة سيطرة كاملة، مشيرة إلى أن الثقة بالطقوس والأحجار بدل الله يمثل أكبر أنواع الشرك، وأن التجربة أظهرت لهم حدود الخطر الروحي الحقيقي.

وشاركت المهندسة عائشة برنوص  تجربتها معربة أن فتح الشاكرات في أول مرحلة تسبب في شعور بالرعب والهلع، مشيرة إلى أن الثبات على العقيدة كان العامل الوحيد الذي حمى حياتها الروحية، ورأت أن بعض النساء تعرضن لكوابيس مستمرة وأعراض مس عاشق، وأن العلاج الشرعي والرقاة المؤهلين كان السبيل الوحيد للشفاء حسب زعمها.

وأشارت إحدى المنتسبات إلى قروب الديفا أنها تفاجأت بطرح خطير من صاحبة القروب، حيث نشرت منشورًا قالت فيه “اليوم حنتواصلوا مع سيد الخلق، استماع ورد مباشر من ذات مستنيرة”.

معتبرة  أن هذا الكلام يمثل تجاوزًا واضحًا على الدين وتعديًا صريحًا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، مؤكدة أن مثل هذه الأفكار ليست من التنمية البشرية في شيء، وإنما أباطيل وخرافات تهدد عقيدة المشاركات وتوقعهن في شرك صريح.

وفي سياق متصل، روت إحدى الأمهات تفاصيل صادمة عن معاناة ابنتها، حيث أشارت إلى أن الفتاة بدأت تعاني من نوبات غريبة وأعراض تشبه المس على حسب وصفها  ، حيث دخلت في حالة مرضية طويلة، وأصبحت منطوية على نفسها، ترفض الأكل ولا تتحدث مع أحد.

وأضافت الأم أنها لجأت إلى الأطباء وإلى الرقية الشرعية، دون أن تعرف السبب الحقيقي وراء تدهور حالة ابنتها، إلى أن اكتشفت لاحقًا أن الفتاة كانت منضمة إلى ما يُعرف بـقروب الديفا، ووصلت إلى المرحلة الخامسة في تلك المجموعات السرية.

وأكدت الأم أن ما وجدته في هاتف ابنتها من رسائل وتعليمات خاصة داخل القروب، صدمها بشدة، إذ كانت البنات يُطلب منهن ممارسة طقوس غريبة، وترديد عبارات غير مفهومة بزعم أنها تجلب الطاقة الإيجابية ، محذرة الأسر الليبية من خطورة ترك المراهقات دون متابعة.

وفي حالة مشابهة، تحدثت سيدة أخرى عن شقيقتها الصغرى التي انجرفت وراء هذه المجموعات، حيث بدأت تتحدث عن التواصل مع الأرواح ورسائل الكون ، بل وصلت إلى مرحلة أنها هجرت صلواتها، معتبرة أن الطقوس داخل القروب تغنيها عن العبادة، وهو ما دفع الأسرة إلى التدخل بقوة وإنقاذها قبل أن تتفاقم الأمور.

وترى بعض الأسر أن هذه الظاهرة لا يمكن التعامل معها على أنها مجرد “دورات تدريبية”، بل هي باب واسع للانحراف العقدي والفكري، داعية الجهات الأمنية والدينية إلى التحرك السريع لحماية الفتيات، خاصة في مرحلة المراهقة حيث يكن أكثر عرضة للتأثر والانجرار وراء مثل هذه الأفكار.

أراء الداعمات للقروب

أشارت إحدى المشاركات المقتنعة بقروب “الديفا” إلى الغرابة في الاتهامات الموجهة لبعض المشتركين، مبينة أن من تظهر في معظم كورسات المدربة دفعت أموالاً طائلة، ومع ذلك ظهرت بعد سنتين تنتقد وتفترى بدل الاستفادة، وأضافت أن الهدف من الهجوم على القروب غالبًا هو زيادة التفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن المتابعة الدقيقة للدورات كانت واضحة، وكان يجب على المنتقدين أن يعرفوا محتواها قبل إصدار الأحكام.

ورأت نجاة محمد أن هناك منتحلات لشخصية المدربة الحقيقية، وأن إنشاء قروبات وكورسات باسمها لا يمثل مسار المدربة الأصلية، مشددة على ضرورة التحقق من هذه الحالات لحماية المتابعين. وأوضحت أن ما يحدث في هذه القروبات لا علاقة له بالسحر أو الشعوذة، معتبرة أن مسار المدربة في التنمية البشرية يشبه مسارات علمية معروفة مثل الدكتورة رقية دومه والدكتور أيمن الرزاقي، ورأت أن الهجوم عليهم بلا سبب منطقي غير مبرر، خاصة وأن هؤلاء لديهم كورسات تعليمية متعددة.

وأكدت مبروكة أبوظهير أن النساء المنضمات إلى القروبات الخاصة وتحميلهن الصور والفيديوهات المخالفة يجب أن يراعين مسؤولياتهن، مشيرة إلى أن الجهل أو الانسياق وراء الشائعات لا يعفي أي شخص من العقوبة القانونية أو الشرعية. وأوضحت أن التشهير أو اتهام الآخرين بالكفر أو الباطل يعد سلوكًا يعاقب عليه القانون، وأن ما قامت به بعض صفحات التواصل الاجتماعي يصل إلى مستوى جريمة إلكترونية لها تداعيات خطيرة على الواقع، مشددة على أهمية أن تحافظ المدربة على حقوقها المدنية والجنائية وتتابع الإجراءات القانونية تجاه هذه الانتهاكات.

ومن جهته قال ضابط شرطة يعمل في المطار إنه خلال إحدى الليالي، وأثناء هبوط طائرة قادمة من القاهرة، تم ضبط إحدى المسافرات أثناء تفتيشها، وهي طبيبة، موضحًا أنها كانت تحمل قطعة معدنية على شكل صليب ، وأضاف أنه عند التفتيش الدقيق، تم العثور على قطعتين مخبأتين بعناية داخل الحقائب، بالإضافة إلى مذكرات بعنوان علوم طاقة تحتوي على نصوص غريبة وخواطر تتحدث عن كيفية تغيّر حياتها نتيجة الانخراط في الدورات.

وبحسب الضابط، فإن لديه دراية كافية بموضوع قروبات الديفا، وأثناء التحقيق تبين أن المرأة كانت عضوة في عدة قروبات متعلقة بعلم الطاقة، كما كانت على تواصل مباشر مع ما وصفهم بالدجالين. وأوضح الضابط أنه عندما سألها عن سبب حملها للصليب، أجابت المرأة بأن هذه ليست صليبًا، بل تسمى مفتاح الحياة، وهو رمز للحياة الأبدية، تُوضع على قبر شخص متوفى لتعيش روحه الحياة بتفاصيلها، بحسب قولها.

رفض قاطع واتهامات بالشرك“.

فيما رأت منال أحمد ، أن الظاهرة تمثل “دينًا جديدًا وشركًا أكبر”، وشددت على أن أي مشاركة في هذه الدورات قد تؤدي لضياع العقيدة.

وأكدت نسرين فتحي أن علم الطاقة يمثل علمًا وثنيًا وشركًا أكبر، مشيرة إلى أنه مخطط لإبعاد الناس عن الدين الصحيح،

بينما شددت المعلمة نعيمة الشريف على ضرورة تثقيف الأطفال وتعليمهم التوحيد والسُنة، معتبرة أن حماية العقيدة أهم من أي تجربة دنيوية.

من الرأي الديني “.

وبحسب فتوى صادرة عن دار الإفتاء الليبية ، فإن ما يعرف بـ”علم الطاقة” أو “قانون الجذب” أو “الشاكرات” لا يُعد من العلوم الشرعية أو التجريبية المعتبرة، وإنما هو خرافة مستوردة من ديانات وثنية شرقية، لا يجوز للمسلم أن ينشغل بها أو يعتقد بصحتها.

وأكدت أن الرموز التي يروج لها في تلك الدورات، على غرار ما يسمى بـ”مفتاح الحياة”، ليست سوى شعارات كفرية قديمة، مرتبطة بعقائد شركية دخيلة على الإسلام، محذرة من خطورة الترويج لها أو تداولها تحت مسمى التنمية البشرية أو العلاج بالطاقة.

ومن جهتها أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية حذرت رسميًا أن دورات “الطاقة” وقانون الجذب، ما هي إلا أبواب للشرك والدجل، لأنها تقوم على استدعاء قوى غيبية غير مشروعة.

رأي خبراء التنمية البشرية “.

قال الدكتور إبراهيم الفقي، أحد أبرز رواد التنمية البشرية في العالم العربي، في أحد لقاءاته: التنمية البشرية تقوم على أسس علمية واضحة، وتهدف إلى تطوير مهارات الإنسان العملية مثل إدارة الوقت، التواصل الفعّال، الثقة بالنفس، والقدرة على الإنجاز. أما ما يسمى بعلم الطاقة الكونية أو العلاج بالطاقة فهو لا يمت بصلة للتنمية البشرية، بل هو مجموعة من المعتقدات والممارسات التي تفتقر إلى أي أساس علمي أو بحثي، وغالبًا ما تُستغل من قبل أشخاص يوهمون الناس بتحقيق السعادة أو الشفاء بطرق غير مثبتة علميًا.”

كما أوضح المدرب الليبي محمد العماري، المتخصص في التدريب القيادي وإدارة الذات، أن

التنمية البشرية في جوهرها علم يركز على تغيير السلوكيات واكتساب المهارات التي تساعد الفرد على التكيف مع واقعه وتحسين أدائه في العمل والحياة.

أما ما يروج له تحت مسمى طاقة أو قوى كونية فهو أقرب إلى الشعوذة، ولا علاقة له بعلم التنمية البشرية، بل يسيء لسمعة هذا المجال.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :