من مخطوط لسان القطة

من مخطوط لسان القطة

أحمد شاكربن ضيّة

الإهداء إلى روح القطّة التي حدّثتني عنها أمّي مِرَارًا قبل نومي حين كنتُ طفلاً.

——————-

* تقول أمّي: تَسلّلتِ القطّة ليلاً إلى محلّ الجِزارة وقادتها رائحة الدّم واللّحم إلى السكّين، فأَخَذتْ تلعقُ ما عَلِقَ على شفرتِهِ حتّى أصابها الدّوار، لكنّها لم تشأ أن تفلت منها قطرةٌ واحدةٌ من وليمةِ الدّماء الغزيرة، ولم تنتبه، إلاّ عندما بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة، أنّها -في الحقيقة- لم تكن تلعقُ سوى الدّم النّازف من لسانها.

والعبرة من الحكاية: لا تَجعلْ الطّمعَ يقودُكَ فإنّه يأخذُك إلى حتفِك.

* يقول الجزّار: لقد أغلقتُ دونها كلّ المنافِذِ وحاولتُ جاهدًا منعها من إثارةِ الفوضى وإيذاء نفسها، لكنّ القِطط لا تهنأُ حتّى تُفسد كلّ شيءٍ حولها بما في ذلك فرصتها الأخيرةَ في النجاة.

والعبرة من الحكاية: لا تدخل “المجزرة” متسلّلاً فلن يكون حظّك أوفر ممّن دخلُوها في العَلَنِ.

* تقول صديقتي التي “تُحِبُّ” القطط (أو تظنّ ذلك): أظنّ أنّها ماتت دون أن تنتبه إلى نَزفِها وهذا هو الجانبُ المشرق من القصّة، فالمهم أنّها شَبِعَتْ (أو ظنّت أنّها شَبِعَتْ) وكانت سعيدةً في النّهاية (أو ظنّت أنّها كانت سعيدةً).

والعبرة من الحكاية: لا تكن سوداويّا، فإن لم تستطع أن تعيش بحقيقة الجوع، حاول أن تموت بوهم التخمة.

* يقول الشّاعر: لعلّها لم تكن جائعةً أصلا ولم يُودي بها الطّمع بل العاطفة، فربّما كانت تحسبُ السكّين الغارق في الدّماء جُرحًا في يد الجزّار، فأرادت أن تُكَفْكِفَهُ.

والعبرة من الحكاية: لا تَلْعَقْ جِراحَ الآخرين فقد لا تكون في الحقيقة سوى سكاكين مشحوذة.

* أمّا أنا فقد شَعرتُ مِرَارًا أنّ القصّة مبتورةٌ، ولم أستخلص منها أيّة عبرةٍ غير أنّ على الأطفال أن يناموا باكرًا وهذا وحده يحتاج إلى حِكاياتٍ وعِبَرٍ.

كنتُ أتساءلُ دومًا: وماذا بعدُ؟ فتتسلّلُ القطة إلى حلمي وتُجيبُ بِلسانِها المبتور:

الحكايةُ… كلُّ الحكايةِ وما فيها من عِبَرٍ: “ميييييعَوْوُووو“.

____________

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :