بقلم :: سالم البرغوثي
كان يمكن في الوضع الطبيعي أن تحمل لنا شواطئنا البحرية ومياهنا اﻹقليمية واﻻقتصادية ثروات بديلة عن النفط كبقية شعوب العالم وفي أسوأ الظروف كان ينبغي أن نكون قادرين على فرض سيادتنا المطلقة عليها وحمايتها من اﻷطماع اﻻستعمارية التي بدأت تتخذ أشكالاً عدة من عبور المهاجرين إلى أوروبا مرورا بمراكب صيد اﻷسماك من شرق آسيا وحتى البلقان ودول مجاورة استباحت ثرواتنا البحرية ، كان باﻹمكان لو أننا نمتلك زمام أمرنا ومقدراتنا اعتبار دخول البوارج الحربية اﻷجنبية إلى عمق مياهنا اﻹقليمية إعﻻن حرب صريح وتعد على السيادة الوطنية لكننا في لحظة ضعف حقيقي وقرار سيادي مشتت غضينا البصر وانشغلنا بهمنا الداخلي وصراعنا على السلطة وتركنا لوزير الداخلية اﻹيطالي وضع اللمسات اﻷخيرة لوثيقة تفاهم أشبه ماتكون بوثائق التفاهم التي تفرض على دول تعرضت للهزيمة واﻻحتﻻل بمساعدة حكومة متواطئة مع اﻻحتلال منذ 2004 كانت إيطاليا تسعى إلى إقامة مركز إقليمي لمكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا ولم يتسن لها ذلك ﻷن الدولة كانت قوية إﻻ أن هذا المشروع أو الحلم اﻹيطالي عاد إلى الواجهة السياسية بعد أن تبين لﻻتحاد اﻻوروبي أن ليبيا الضعيفة المشتتة باتت جاهزة لقبول مشروع اﻻستيطان ، كان على حكومة الوفاق وقبل التوقيع على مذكرة التفاهم أن تدرك أنه ﻻ يجب أن تتنصل إيطاليا من اﻻتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت مع النظام السابق وخصوصا معاهدة الصداقة والشراكة التي تم توقيعها في بنغازي في 2008 والتي تشمل تعويضات للمتضررين الليبيين من اﻷلغام التي زرعتها إيطاليا لمنع دخول دول المحور إلى ليبيا وكذلك التعويضات عن الحقبة اﻻستعمارية التي قدرت بخمسة مليارات دولار في شكل استثمارات ، كان على حكومة الوفاق أن تدرك أن ورقة المهاجرين اﻷفارقة هي ورقة ضغط بيدها على أوروبا ﻻ أن تصبح ورقة ضعط عليها وتحول ليبيا إلى مركز إيواء لهؤلاء المهاجرين مما سيكون له تأثير على النسيج اﻻجتماعي ويهدد الوضع الديموغرافي كما أن التوقيع على هذه المذكرة من الجانب الليبي ينفي عن إيطاليا صفة كونها دولة عبور للمهاجرين إلى الشمال اﻷوروبي وبذلك نكون وحدنا من يتحمل النتائج واﻻلتزامات الدولية المترتبة على هذه اﻻ تفاقية ، إن تأهيل الكوادر البشرية بمراكز اﻹيواء المشار إليها في مذكرة التفاهم وتوفير ماتحتاجه من مرافق صحية وأدوية ومعدات هي خير دليل على أن هذه المراكز ثابتة وقابلة للتطوير مما يعني بالمشبرخ توطين المهاجرين في دولة يراها اﻻوربيون دولة منهارة وغير قابلة للنهوض في المستقبل القريب ، لست خبيرا في القانون الدولي لكن من خلال القراءة السياسية لهذه المذكرة تأكد لي أن الجانب اﻹيطالي هو الطرف القوي وقد استطاع أن يملي شروطه وفق المصالح العليا ﻹيطاليا آخذين في اﻻعتبار الثمن الذي قدمته من دعم ومساندة للثورة الليبية وفي كل اﻷحوال وعلى المستوى الشخصي لست مستاء من مذكرة التفاهم هذه فقد تأتي حكومة وطنية أخرى وطنية لتلقي بهذه المذكرة في عرض البحر مقابل الشواطئ اﻹيطالية حتى تفي روما بكل اﻻلتزامات المترتبة على معاهدة الشراكة والصداقة اعتقادا مني بأن المعاهدات الدولية أقوى بكثير من مذكرات التفاهم مع حكومة تواطأت على السيادة الوطنية دون أن تدرك حجم التبعات.