مُسْتحاثةٌ لأُنثى بعيدةِ الاِحتمال

مُسْتحاثةٌ لأُنثى بعيدةِ الاِحتمال

  •  أحمد محمد إبراهيم

وبدأتِ الأرضُ تُفْصِحُ عن عطْرِها الأزليّ

حينما زُفَّ إِليها المطرُ

وأخذتْ تُهلِّلُ لَهُما البروقُ

وكان الرَّعدُ مشغولاً بالتصفيقِ.

وترٌ بائسٌ يحُكُّ ظهرَ الليلِ بأنغامٍ خَمِيصةْ،

والغُربةُ أنشبتْ أظفارَها،

كذِئبٍ جائعٍ اِنفردَ بأيِّلٍ ضَلّ عن القطيعِ،

وأنا وحدي كهَرَمٍ منسيٍّ بين الرِّمال.

وترٌ بائسٌ يُداعبُ ليلَ غُربتي،

هدهدٌ ينقرُ أوراقيَ المُتعَبَةَ

يحفرُ دمعةَ أُمِّي وتنهيدةَ أبي،

حُجْرَتِيَ الْعَاطِلَةَ،

مَكْتَبَتِيَ الّتِي تَحْتَسِيَ الْغُبَارَ،

سريريَ الَّذي يشتاقُ إِلى أحلامي وكوابيسي،

لضفائرِ حبيبتي فِي مَنامٍ عَجُولِ،

مِرْآتيَ الحزينةُ الَّتي تَزُفُّني للّقاءاتِ العاطفيَّةِ.

أنينُ بلاديَ المرهونةِ لشبحِ المَراراتِ.

وترٌ بائسٌ يحُكُّ ظهرَ اللَّيلِ

وأنا وحدي أُقارعُ غُربتي بالشِّعْرِ،

أهزمُ الحزنَ بطيْفِ الحبيبةِ

أفُكُّ قَيْدَ كلماتي مِن وِتَدِها 

لتركضَ فِي سَهولِ المسامعِ،

وكان قلمي يَحكِي إِلى الأوراقِ:

البنتُ الّتي فتحتْ كُوَّةً فِي مَجرَّةِ قَلْبِي

وغيَّبتِ الوعيَ فِي مباِهِجَ فِتْنَتِها

هيّأتْ مدارَ دمي

لتمُرَّ الْكواكبُ إِلى حجِّها الأبديِّ

أفاقتِ الكونَ النَّائمَ على سريرِ مُهْجَتي..

أعطتهُ مِسْبحةً وقارورةَ عطْرٍ مِن عَرَقِ الأنبياء.

سَوّتْ لخاطرِ عَيْنَيْهِ زَلابيةً

و شايَ حليبٍ مُوشَّىً برائحةِ الحبَّهان

و كلَّما أزْلَفَتِ الشمسُ حاجباً لحاجبٍ

أهْدَتِ الأرضَ منديلاً

و مُزِيْلَ عَرَقٍ

وكلَّما اِنكمشَ النِّيلُ على فِرَاشِ وحدتِهِ و جافى القُرى

أرسلتْ إِليهِ بفُستانِها فارتدَّ هديراً وزرعاً

فَوَّجَتِ الشَّدْوَ لطيرِ الفَقَنَّسِ والحَساسينِ،

نثرتْ صوتَها على عيونِ المياهِ خريرا..

شيّدتْ عطْرها ملجأً للّفُلِّ والياسَمينِ

ومادتْ لطلَّتِها غُصُونُ القَوافِي

 وكنتُ أرى النَّاسَ

يُوفِضُونَ إِلى وجْهِها

طالبينَ الضياءْ

كخَيْلٍ تَفُكُّ حبالَ الصَّهيلِ 

وتكسرُ طوْعاً لجامَ المدى..

على رِسْلِكُمْ

أيُّها المُوفِضُونَ

على رِسْلِكُمْ

فأنا مثلُكمْ

منذُ أنْ طلع بدرُها فِي فضائي

صِرتُ أُقلِّبُّ قلب السَّماءِ

خفقةً خفقةْ

وأرشقُ اللَّيلَ بِسرٍّ

لا تحتويهِ البحارْ

ولا أدركتهُ

سُفُنُ الرَّاحلينَ

عَن عيونِ الدّيارْ

اِعْترانيَ الهذيانُ

كغَيْمٍ مُدانٍ بالزُّكامِ والثرثرةِ

وبِتُّ أُحادثُ جُدرانَ بيتيَ والطرقاتِ:

البنتُ الّتي فتحتْ كُوَّةً فِي مجرَّةِ قلبي

وغَيَّبتِ الوعْيَ فِي مباهجِ فِتْنتِها

أطلقتْ سِهامَ ضحكتِها نحوَ صدرِ الحديقةِ

فأصابتِ الصَّمْتَ فِي مَكْمَنٍ

والأشجارُ أَخبَرتْ سُكَّانَها،

البلابلُ تَجَلْبَبْنَ بِتغريدِهنَّ

وأتَيْنَ على عجلٍ،

الحمائمُ جئْنَ على مَتْنِ سَجْعٍ

يُشاكِلُ صوْتَ الخليلِ

والقصيدةُ هَزْهَزتْ أردافَها

لأجلِ عيونِ الهَزارِ،

وكان المُغنّي يُغَنّي

(صَهْ يا كنارُ .. وضَعْ يمينَكَ فِي يدي)

والبنتُ الّتي فتحتْ كُوَّةً فِي مَجرَّةِ قلبي

أمسكتْ بِيدي ورقصنا طويلاً مِلْءُ نشوتِنا

ثُمَّ نامتْ على صدرِ أُغنيتي

وغَيَّبتِ الوعْيَ فِي مباهجِ فِتْنتِها

وصَحوْنا على لَثْمَةٍ

وسؤالٍ مِفْصَلِيٍّ تَمرّغَ فِي شفَتيْها:

ألأجلِ عيونِ الهَزارِ

تَهُزُّ القصيدةُ أردافَها

وترقصُ على مشيئةِ اللَّحنِ كما الغانياتِ!؟

………..

ثُمَّ أمسكتْ بِيدي تارةً

وغنّيْنا بحجمِ شقاوتِنا

ورقصنا على حدِّ شهْوتِنا .. بِقدْرِ احْتمالِ المكانِ.

………..

ويوماً سَتُحَدِّثُ الأرضُ أخبارَها بأنَّ

البنتَ الّتي فتحتْ كُوَّةً فِي مَجرَّةِ قلبي

وغَيَّبتِ الوعْيَ فِي مباهجِ فِتْنتِها

صَيَّرَتني نخيلاً وأُغنيةً لكُلِّ بيتٍ وشارعٍ

ووشَّحَتِ الحقولَ بِمَلْمَسِها القَطِيفيِّ

فِي مِهرجانِ الخصوبةْ.

خيل بباب الكمنجة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :