محمد عمر غرس الله
يردد ويلوك الناس – وخاصة الكثير من النخب والمتثيقفين الجدد – كلمة (ديموقراطية) دون معرفة موضوعية بما تدل عليه الكلمة من مفهوم وحزمة فكرية، ولم يكلف احد الى الان نفسه ليقدم للناس في بلادنا توضيح مفيد للكلمة، حتى يتمكن المجتمع من الاختيار والقرار.فالصخب المستمر بكلمة (ديموقراطية)، والذي تمارسه وسائل الاعلام بتونعاتها، والسياسيين، والاحلاف العسكرية، وحتى قاذفات الاستراتيجية وصواريخ التوماهوك والبوارج الحربية، ومعها المتثيقفين العرب وصغار الفتيان الذهبيين من مرتادي منظمات المجتمع المدني ورواد السفارات الأجنبية ومن يسمونهم إعلاميين جدد، والكثير من اليساريين الديموقراطيين (القوادين) العرب، وحتى الجماعات الاسلاموية ركبت موجة الديموقراطية هذه تصرخ بها ..ورغم الماسي – التي حلت بأمتنا من جراء رفع شعار (الديمقراطية) البذيء – لم ينتبه بعد الناس وحتى النخب والمثقفين، لأمر هذه الديموقراطية، ولم ينتبهوا او هم اصلا لا يريدوا ان ينتبهوا الى المعنى الحقيقي لهذه الدموقراطية المزعومة.وبالمختصر، فإن الديموقراطية حزمة كاملة ومشروع له سماته وتجلياته، ولا يمكن اختيار واحدة وترك الاخرى، فهي تتكامل مع بعضها البعض، من لبررة السياسة، الى لبررة القيم، وكل المسافة بينهما تتم لبررتها، من فرادنية وتحرر بمعناه الاوروبي من شذوذ (لواط)، وانجاب العازبات (خارج اطار الزوجية)، وتجريم الابوية الاسرية وكسر طوقها ..الخ،هذه الديموقراطية، مرتبطة بالمال والاعلام، ومفاعيلهما في الواقع، من شراء ذمم، وبيع اصوات، وحملات تمويل، واعلام وتسويق وحملات اعلانية، ولعب على عواطف الناس البسطاء وخذاع الفقراء وشراء اصواتهم واغرائهم ..وهي منح ثقة سياسية بثمن معلوم، وتحالفات متقلبة، وهجرة من تكتل لتكتل ومن ضفة لضفة، بيع وشراء وتطفيف ومراهنة ورباء سياسي وقيمي ومالي مادي، وهي ايضا سحب ثقة، وتنكر لموقف الامس، في المساء موقف، وفي الصباح موقف اخر، له علاقة بالنفوذ والحصص والمحاصصة، وتبادل الفوائد …هذه الديموقراطية كحزمة متكاملة، غير ممكنة التحقيق ولا يمكن لها في مجتمعنا، لانها معبر حضاري عن ليبرالية القيم بكل تفاضيلها مهما تم إخفاء ذلك بمؤثرات وبهارات والوان زاهية .. فكل ما في قيمنا ومجتمعنا يقاومها ويقاوم وبائها بما يمكن تسميته، الدفاع الذاتي للحضارة ..هذه لمحة بسيطة ومبسطة عن الديموقراطية التي يرددها الجميع تقريباً، ويصمون اذان الناس بها، فالكل صاروا ديموقراطيين من كل الضفاف، القديمة والجديدة والقديم جدا أيضاً، والمستحدثة، والمصطفة اليوم هنا وهنا وما بين هذه الهنا والهناك ..طُرفة ديمرقراطية:في عام من الاعوام قبضت اجهزة الامن الليبية في المنطقة الغربية، على مجموعة مهربين واتضح ان ورائهم عصابة تهرب الأسلحة، واتضح ايضاً ان شيخا وجيها قد استضافهم كعادة البدو في اكرام الغريب، فتم القبض على ذلك الشيخ الوقور وتم التحقيق معه، واجهزة الامن تشك انه متعاون معهم، وفي التحقيق انكر كل شي، فوجه له المحقق شتائم وهو يقول له، اعترف انك كذا، وهو يقول نعم، اعترف انك كذا وهو يقول نعم، وبالمزاح: قال له اعترف انك ديموقراطية، فصاح الشيخ، كل شي نعترف بيه الا اني ديموقراطي، والله ما نديرها ولا نفكر فيها .. فضحك المحققون فالشيخ لا يعرف الكلمة ولا معناها ولغرابتها عليه إعتقد إنها تهمة كبيرة …وانا مثل هذا الشيخ اقول انني لا يمكن ان اكون (ديموقراطيا) – وحاشا الله لي ان اكون كذلك – ولا اقبل هذه (الديموقراطية) وملحقاتها، و أراها وبالاً علينا، وهي مجرد حرب حضارية – واضحة المعالم بكل حزمتها – علينا وعلى مجتمعنا العربي الاسلامي .. وانا لست ديموقراطيا ولا يمكن لي، بوعي تام لحزمة هذه الديموقراطية .. انا مع (الشوري)، ومدلولها الشرعي، الذي لابيع ذمة فيها، ولا تطفيف سياسي، لا تحرر بمعناه الأوروبي من لواط ومثلية، ولا انجاب خارج اطار الزوجية، أنا مع الشورى التي تؤكد الابوية الأُسرية وتثبتها بالشرع وقيمه، الشورى التي لا يبيع فيها الانسان صوته بالمال، ولا تأكل فيها الحرة بثدييها، الشورى التي ترفض الفتن والفوضى الخلاقة، وترفض موالاة الأجانب والقتال تحت طائراتهم وأستقبال مرتزقتهم وجواسيسهم وإدخالهم للوطن وتمكينهم منه ..يقول الله تعالى: ” وأمرهم شورى بينهم ..” صدق الله العظيمولم يقل : وأمرهم ديموقراطية بينهماللهم فأشهد اللهم قد بلغت ……………………..لمن يرغب الفهم اكثر، انصحه بالاطلاع على كتابي: اللسان، الهوية، الامة، والعلمانية، الصادر عن دار نقوش عربية بتونس (الطبعة الاولى يوليو 2021م)..