بقلم :: د :: عابد الفيتوري
ثمة اشياء تكونت بفعل الزمن ، وبفعل الطبيعة القاسية ، والمناخ القاري المتطرف .. وثمة اشياء اخرى اكثر شراسة وقسوة .. جزء من ملامح اضحت تسم المكان والمحيط .. الناس هنا لا يتوقفون عن النظر بحسرة .. ويتوقعون شيئا ما ، لكن هذا الشيء لا يأتي ابدا . انها المأساة تكرر نفسها .. واذا كانت الاعراس تعني بعض الناس ولبعض الوقت ، فإن الاحزان هنا .. في فزان والجنوب عموما .. تعني جميع الناس
بواكير الصبا عملت بشركة سبها للاعمال المدنية .. اوائل سبعينات القرن الماضي .. كنت مشرفا على تنفيد طريق تمنهنت براك .. فيما المنفذ بالباطن شركة اوروبية .. انجز الطريق ولم يستوفى .. ولم تستطع الشركة تنفيذ عقد طريق ام الارانب زويله .. وبدأت احوالها تتدهور .. والديون تتمحور .. وتمت تصفيتها بقرار .. كنت قبل صدوره بوقت .. ومع تأخر المرتبات .. انتقلت للعمل بالإذاعة الليبية .. مقرها قصر الشعب .. قصر ولي العهد سابقا .. تحصلت على دورة بفرنسا ثلاث سنوات .. مجال الارسال .. في مبنى الاذاعة الجديد .. طريق طرابلس .. لدينا عدد 2 هوائيات للبث شاهقة الارتفاع .. للتواصل مع اكثر من 40 محطة اعادة ارسال بالجنوب .. من غات الى تمسه .. ومن ادري الى البخي .. كل تلك المحطات لتقوية اعادة البث .. قابلة للتدخل من قبل مختص .. لن يحتاج سوى كاميرا .. او ميكرفون .. ومباشرة البث .. لكنه ايضا .. لا احد يستطيع اختراق تلك المحطات وتنفيذ اغراضه .. فبمجرد فتح الباب الخارجي .. تظهر امامنا الصورة واضحة .. ويتم فصل المحطة في الحين .. تلك المحطات الان صارت خراب وارض يباب .. وبالمثل مبنى ارساليات تقوية البث بالإذاعة طريق طرابلس .. المقر .. نهب الاثاث وحطمت المقتنيات .. وبالمثل .. الحال الذي انتهت اليه بقية المحطات الارضية .. وتوقف كل شيء .
كانت محطة ارسال المهدية تتواصل مع الاقمار الصناعية .. كان من بين محاسن تلك المحطات .. عندما تجرى هنا وهناك مباريات في بطولة نهائية في كرة القدم مثلا .. يتم بثها ارضيا وتكون ميسرة لكل الناس .. كسر احتكار .. الان .. ابن الفقير لا يمكنه مشاهدة هكذا محافل يتوق لرؤيتها غالب الناس .
في الفترة الاخيرة تمكنا من تركيب محطة ارضية بقلعة قاهرة .. بث فضائي ومسموع .. بلغ مداها قرية ( قبر عون ) .. بوادي الاجال .. وكان اول عهد لأهل القرية محدودي العدة .. مشاهدة الشاشة الفضية في تلك البقعة المنعزلة .. والقابعة في احضان كثبان صحارى اوباري .. فرحوا ذلك اليوم .. وعملت المحطة قرابة 6 اشهر .. وتوقفت في زحمة احداث 2011 .. والمقر صار خواء .. وتوقف كل شيء .
رغم التطور بمجالات التواصل المرئي والسمعي عبر الفضاء .. لا تزال المحطات الارضية تعمل بالدول المتقدمة كفرنسا مثلا