المهدي يوسف كاجيجي.
فى نهاية الخمسينات من القرن الماضي، كلف الملك إدريس-رحمه الله- السيد سيف النصر عبدالجليل رئيس المجلس التنفيذي لولاية فزان، بمهمة عاجلة للعاصمة المصرية القاهرة، لتسليم رسالة هامة للرئيس جمال عبدالناصر، فقام بكتابة رسالة رسمية لوزير الخارجية السيد وهبي البوري، يطلب فيها استصدار جواز سفر دبلوماسي لرحلة واحدة، متعهدا بإعادته فور الانتهاء من المهمة، فكان الرد من الخارجية ” نأسف عن ذلك لتعارض المهمة المذكورة مع اللوائح والقوانين الخاصة باستصدار جوزات السفر الدبلوماسية” .
فما كان من السيد سيف النصر، رئيس المجلس التنفيذي ونائب والى فزان والمكلف بمهمة رسمية من قبل ملك ليبيا، إلا الانصياع للأمر، والقيام بالرحلة بجواز سفر عادي. هذه الحكاية رواها لي شخصيا السيد سيف النصر عبد الجليل رحمه الله. تذكرت الحكاية، وأنا أقرأ على صفحة السيد السفير غيث سالم سيف النصر، انتقاده الشديد للقانون رقم (2) لسنة 2022، الذي أصدره مجلس النواب، والذي يقضي بإجراء تعديل، يمنح بموجبه أعضاء مجلس النواب الحق فى الحصول على جواز سفر سياسي للعضو وزوجته، بينما يحصل الأبناء على الجواز الخاص، وينص التعديل على امتداد صلاحية هذه الجوزات حتى ما بعد نهاية الخدمة، أي مدى الحياة. واعتبر سعادة السفير غيث أن ذلك بدعة، لمجلس وصفه “يعمل لصالح نفسه” ويتعارض مع كل الأعراف الدولية في هذا الشأن.
أقول لسعادة السفير غيث: أنا أقدر غيرتك على الخارجية ولوائحها وقوانينها، فأنت واحد من رموزها ولكن الموضوع لا يقتصر على الامتيازات والحصول على جوازات سفر سياسية، لأن القضية أكبر من ذلك والمجلس هنا هو ممثل حقيقي للشعب الليبي، وثقافة النهب التي تسيطر عليه، والحالة المزرية من الانهيار الأخلاقي الذي وصلنا إليه حكومة وشعبا.
بلد في طريقه إلى الزوال، بينما ينشغل شعبه وسياسيوه ومسؤولوه في عملية “نهب ممنهج” ، كما وصفها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا الأسبق، السيد غسان سلامة. أسألكم بالله، أي شعب هذا الذي يقبل على نفسه بهذا النوع من المهانة والانحدار؟ في وطن ينهب ويدمر ويمزق، وطن يشنق تمهيدا لتقسيمه، بينما ممثلوه ونوابه وسلطته التشريعية منشغلة بإصدار قانون للحصول على جوزات سفر سياسية، تمنحهم الحصانة لهم ولأسرهم مدى الحياة، بلد ينطبق عليه المثل الليبي القائل: ” واحد مشنوق وواحد باله في الحلوى “. وليرحمنا الله مما هو قادم.