مصطلح “Porta Potty” وانتشاره
تقرير/ عماد بالشيخ
صحفي محلل سياسي
مصطلح “Porta Potty” يعني حرفياً “مرحاض متنقّل” (Portable Toilet). وقد استُخدم في التحقيقات الإعلامية الأخيرة كوسم على منصات التواصل (DubaiPortaPotty) للدلالة على ممارسات استغلال جنسي قاسٍ تُمارَس في أماكن غير رسمية، وفي ظروف مهينة وغير إنسانية.
أظهر التحقيق أن هذا الوسم استُخدم للترويج لمقاطع فيديو تُظهِر فتيات يُجبرن على أداء أفعال جنسية صادمة، قُدّمت كنوع من “المحتوى الترفيهي الشاذ” في سوق رقمي أسود. وقد ساهمت هذه الظاهرة الرقمية في تنميط الضحايا وتحويلهن إلى رموز متناقضة بين الشفقة والانتقاد، وهو ما عزّز مناخاً يسهل ترويج الاستغلال عبر الشبكات الإلكترونية.
الحالة الأبرز: مقتل مونيك كارونجي
من بين الضحايا، برزت قضية الشابة الأوغندية مونيك كارونجي المعروفة على الإنترنت باسم “Mona Kizz”.
انتقلت مونيك إلى دبي في عام 2022 بعد أن وُعدت بوظيفة في قطاع الضيافة أو البيع بالتجزئة، عبر وسطاء تكفّلوا بترتيبات السفر والإقامة. لكن بعد أشهر، وُجدت جثتها إثر سقوطها من شرفة في حي البرشاء. رُوّج في البداية أن الحادث انتحار، غير أن عائلتها شكّكت في الرواية الرسمية وأصرت على وجود شبهة جنائية، إذ أشار بعض الشهود إلى وقوع اشتباك قبل سقوطها.
كما كشف التحقيق عن حالات مشابهة، مثل وفاة الشابة كايلا بيرونجي، حيث أظهر تقرير السموم خلو جسدها من الكحول أو المخدرات، ما يتعارض مع روايات الانتحار بسبب السكر أو الإدمان. وفي حالة مونيك، أثير جدل إضافي بعد الحديث عن احتمال دفنها في قبر غير معلن في دبي بدلاً من إعادة جثمانها إلى أوغندا، الأمر الذي أثار موجة غضب لدى عائلتها والرأي العام.
كيف “فاحت رائحة دبي”؟
صدى إعلامي ورقمي
ظل وسم DubaiPortaPotty يتداول لسنوات على منصات مثل TikTok، محققاً مئات الملايين من المشاهدات. هذا التداول الضخم سلّط الضوء على ظاهرة الاتجار بالبشر، وأخرجها من الظل إلى العلن. كما استُخدمت وسائل التواصل من قبل شهود وضحايا سابقين لكشف الممارسات، والضغط على الروايات الرسمية، مما دفع وسائل إعلام دولية إلى فتح ملفات مسكوت عنها.
استغلال الوسطاء والديون الوهمية
يُظهر التحقيق أن الضحايا غالباً ما يُغرَّرن بوعود وظيفية، ثم يُجبرن على توقيع “ديون مفبركة” تشمل تكاليف السفر والتأشيرة والإقامة. هذا الدين، إلى جانب مصادرة الجوازات والتهديد بالعنف، شكّل وسيلة ضغط قاهرة لإجبار النساء على الاستغلال الجنسي.
ثغرات قانونية وإدارية
أبرزت التحقيقات نقاط ضعف عدة:
- ضعف التنسيق بين أجهزة العدالة في الدول المصدِّرة للضحايا وبين الإمارات.
- غياب الشفافية حول نتائج التحقيقات في حوادث “السقوط من الشرفات”.
- استخدام واجهات رمزية لتغطية الجرائم على شكل حوادث عرضية.
- التستّر الرسمي خوفاً من الإضرار بصورة الدولة.
السياق الأوسع: الاتجار بالبشر في الإمارات
قضية مونيك كارونجي ليست حالة معزولة. بل تُشير إلى سياق أوسع يتداخل فيه الفقر، والهجرة غير المنظمة، وأنظمة الكفالة التي تُبقي العاملات في حالة هشاشة. تقارير حقوقية عدّة انتقدت الإمارات بسبب ضعف آليات الرقابة والتنفيذ في قضايا الاتجار بالبشر، رغم الإعلان عن إصلاحات قانونية. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تُستخدم بشكل متزايد لاستدراج ضحايا جدد بعروض عمل زائفة.
التحديات والتحقيقات
ندرة الأدلة العلنية والاعتماد على شهادات ضحايا وناجين.
المخاطر القانونية التي تواجه الصحفيين والمبلغين.
ازدواجية الروايات بين السرديات الرسمية والتحقيقات المستقلة.
التعقيدات الأخلاقية في عرض قضايا الضحايا دون إعادة إنتاج صور نمطية مهينة.
حساسية المسألة سياسياً ودبلوماسياً، ما يعقّد التعاون الدولي.
توصيات إصلاحية
تحقيقات دولية مستقلة لمراقبة قضايا السقوط والوفيات المشبوهة.
حماية النساء المهاجرات بآليات استقبال آمنة وتأشيرات خاصة للناجيات.
ضبط الوسطاء والإعلانات الرقمية لمكافحة الوظائف الوهمية.
تعزيز القوانين الوطنية وتوفير حماية للشهود والضحايا.
تعاون قضائي دولي لتبادل الأدلة وضمان إعادة الجثامين لذويها.
التوعية المجتمعية في الدول المصدرة حول مخاطر الهجرة عبر وعود غير موثوقة.
الخلاصة
قضية “مرحاض دبي” ليست مجرد وسم مثير أو عنوان صادم، بل نافذة على واقع مظلم يختبئ خلف واجهات البذخ العمراني. مقتل مونيك كارونجي شكّل رمزاً لمأساة أعمق تتكرر مع نساء كثيرات وقعن ضحايا وعود كاذبة وانتهى بهن الأمر في دوامة استغلال قاسٍ.
رغم أن تحقيقات BBC فتحت الملف على مصراعيه، فإن الطريق إلى العدالة يتطلب عملاً جماعياً دولياً، وضغطاً إعلامياً وحقوقياً مستمراً، حتى تتحول دبي وسواها إلى فضاءات آمنة، لا ساحات لاستغلال البشر.














