محمد عمر أحمد
من أبرز صور العقلية التي يقع غالبيتنا (نحن الليبيين) تحت أسرها للأسف أن معظم أفعالنا لا تتجاوز ردة الفعل بعد وقوع الحدث أو الواقعة! سواء كان خطب جلل يبقي تأثيره السيئ ردحا من الزمن، أو كان حادث عابر محدود التأثير.يأتي في هذا السياق قضية وجود داعش من عدمه في منطقة الجنوب الليبي، حيث إنقسم الرأي العام الليبي بين مصدق ومهول للأمر، وبين ناكر ومستخف به! وكلا الموقفين إنعكاس لردة فعلنا العاطفية التي تأبي التأصيل المعرفي حد الإستخفاف، ولا تتحسب للمخاطر التي ترمي بكلكلها على الوطن جراء رعونة وإستخفاف أبنائه منذ بداية الأحداث الأليمة وحتى اللحظة الراهنة.وجود داعش في المنطقة الممتدة من الشمال الشرقي للنيجر، مرورا بالشمال الغربي للتشاد وإنتهاءً بالتخوم الجنوبية لليبيا، حقيقة أثبتتها الوقائع والقرائن.
فالمتتبع للتقارير الإستخباراتية وللتسريبات الأمنية طيلة الأشهر الماضية عبر كبريات الصحف والمجلات أو القنوات الفضائية الرصينة في الغرب والوطن العربي، يدرك دون كبير عناء أن أفرادا من داعش كما تقول تلك التقارير أن عددهم يتراوح بين 2800 إلى 3700 شخص، فيهم قيادات وازنة من داعش بقيت على قيد الحياة بعد إنهيار ما عُرف بتنظيم الدولة الإسلامية في معقله في كل من العراق وسوريا، قد فرت إلى منطقة الساحل الإفريقي، وإنقسمت إلى مجموعتين، الأولى توارت في المنطقة الممتدة من شمال شرق غاوة في دولة مالي حتى التخوم الشمالية لكيدال على تماس مع الحدود الجزائرية، وقامت خلال الشهرين الماضيين بثلاث عمليات إثنتان منها إستهدفتا القوات الفرنسية المتواجدة بمنطقة كيدال المالية، في حين كانت الثالثة ضد وحدات من الجيش المالي المرابط غرب غاوة.
أما المجموعة الثانية فقد يممت شطر المثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والنيجر وأستوطنت منطقة صحراوية تخلو من الوجود العسكري المحلي أو الغربي، تمتد من بيلما وديركو وآني ودجادو بلاتو إلى منطقة ماداما (في النيجر) ومناطق زوار وبرداي وأوزو بالتشاد إلى المنطقة الممتدة من 80 كيلومتر جنوب غات حتى المنطقة الممتدة 150 كيلو جنوب شرق القطرون في ليبيا، وتسيطر على هذه المنطقة عصابات التهريب والجريمة المنظمة.مما لا شك فيه أن لداعش عناصر من الليبيين يتمركزون في مدن الجنوب، ويتخذون أسماء وواجهات محلية لنشاطهم، لعدم الإنتباه لم أو لتشتيت جهود تتبع نشاط داعش داخل ليبيا.المؤشرات والقرائن والمعلومات التي بحوزتنا تقول أن ترتيبات داعش لإنشاء دولة في تلك المنطقة لازالت في بواكيرها، وقد إستغل التنظيم الإقتتال والتصعيد الحاصل في الشمال الغربي حول مدينة طرابلس، ليعلن عن وجوده، عبر عمليتي الفقهاء وغدوة، ورغم ضعف البنية اللوجيستية لتلك العمليات، التي جاءت أقرب إلى عمليات العصابات منها إلى عمل داعش الضخم وذي السطوة والتحضير الإعلامي الضخم عادة، والسبب في أن هذه العمليات ليست موجهة إلى الخارج، بقدر ما هي رسالة للخلايا النائمة في ليبيا ولضعاف النفوس من التكفيريين الليبيين للالتحاق بالتنظيم.من هنا ننبه أهلنا في الجنوب الليبي، إلى ضرورة تأجيل الخلافات ووضعها جانبا، فموضوع وجود داعش خطر على الجميع، وأتوجه برسالتي تحديدا إلى التشكيلات العسكرية الموجودة بالجنوب الليبي، التي يجب أن تعمل معا وتضع الترتيبات الامنية والإستخباراتية والعسكرية، لجعل قضية داعش في الجنوب أولوية دون سواها، فالتهاون بمثل هذه الأمور هو ما جعل تنظيم الدولة ينمو ويتمدد في غفلة وإستخفاف من الجميع في العراق وسوريا حتى بات بعبع يهدد الجميع.هذه القضية تستدعي تجاوز الخلافات وإدراك خطورة الأمر، ووضع أمن وسلامة الوطن فوق كل الحسابات.حفظ الله ليبيا من كل مكروه.محمد عمر حمد.