- نيفين الهوني
يوسف رزوقة الشاعر و الناقد و الكاتب التونسي الذي تنوعت كتاباته بين النقد، الشعر، القصّة وللأطفال واليافعين الذي تحدثنا عنه العدد الماضي والذي لم تكفنا المساحة لكتابة كل سيرته وبعضا من إبداعه وما ورد على لسانه من تصريحات في حوارات أجريت معه ها نحن نكمل معه المسيرة ونبدأ من حيث كتب عن الشعر في حوار معه في مجلة لها حيث قال : (لم يعد الشعر، للأسف، ديوان العرب، لأسباب عدّة مستجدة، لكنه مع ذلك، ما زال قائم الخصوصية والفاعلية والجدوى، وأرى أنّ الذي لا يحترم الشّعر وأهله، ستخونه نفسه أوّلاً وزوجته ثانياً والآخرون! ذلك أنّ الشّعر، ليس فقط مجرّد تهويمات ذاتيّة أو تجلّيات وجدانيّة رجراجة أو إيقاع شيطانيّ للإيقاع بامرأة غير واقعيّة أو هروب من واقع أو جنوح إلى ما وراء الأسوار حيث المدينة الفاضلة، بل هو إلى ذلك، أسلوب حياة نمارسه جميعاً، كلّ على طريقته وبالشّكل الذي يقتضيه الموقف والحال والواقع. أما لماذا انتقلت إلى الرّواية؟ فبهدف أن أكتب دراما الواقع ودماراته، خصوصاً بعد تحولات ما سُمّي بـ» الربيع العربيّ»، على نحو يستجيب متغيرات المرحلة.) وعن الكتابة قال في حوار آخر نشر معه في صحيفة الحياة اللندنية (الكتابة تعويذة ضدّ الرّعب ونـحوه، فعل كآثار سيسيّ في قارئ متخيّل. هي نار مفتوحة على العالم وعلى الوجه الـمظلم فيه. هي كذلك وستبقى. أمّا فاعليّة الكتابة من عدمها في عالـمنا هذا، تـحديداً، فذلك شيء هلاميّ لا يـمكن الإمساك بـه على أرض الواقع كحقيقة لـها انعكاس ملموس في مرايا بلايين النّفوس.) وعن القصيدة الومضة (في القصيدة – الومضة اختزال للـمقول الشّعريّ وتكثيف له شأنـها شأن «الـهايتو» التّونسيّ الـمستوحى من الـهايكو اليابانيّ ولي فيه مـحاولات. وهي الحالة الشّعريّة مـختزلة في كمّ قليل من الكلم تقول مكانـها وزمانـها على نـحو إيـحائيّ وبلا إسهاب.) أما عن وجع فقده لابنته الوحيدة فجأة فقد قال في وفاة ابنته (وداعا غزالة الروح) (حيْثُ الْتَفَتُّ، رأَيْتُهَا. صَعْبٌ عَلَيَّ فِرَاقُهَا / ماذا سأفعل بعدها؟ صبرا، يقول رفاقها إذن، رحيلها بات حقيقة لا غبار عليها وعليّ أن لا أراوح بعد اليوم في صحراء الشّكّ ، صحراء التّصديق من عدمه. لقد ماتت في عزّ الرّبيع، بفعل “الياسمين”. نقطة إلى السّطر. وعليّ من ثمّة أن أفلسف موتها على أنّه حياة موازية في عالم آخر، أكثر نقاء وعليّ أن أقنع النفس ومن حولي بأنّ ميتتها هذه وهي في وضع تأهّب، بين شدّة ورخاوة، كي ترى “ياسمين” النور، بعدما حملتها تسعا وعانت، وهي حبلى بها، أعذب الحالات، ما هي إلاّ ميتة تحسد عليها. وعليّ أن أسلّم بما يتردّد على ألسنة الآلاف من المعزّين من تونس وخارجها بكونها ماتت شهيدة ابنتها.) ومن أبرز نصوصه هي فتنةٌ..( كم كانت مُنَعَّمةً وأنثى وهي في خَفَرٍ! في ظُهرِ هذا اليومِ.. من عامِ “الكتاب الأسود” والنّاسُ مرصوصون، في مِتْرُو “التّضامنِ* ~ برشلونة*” – قلتُ: في مترو “التّضامن ~ برشلونة”، لا سواه – رأيتُها.. ورأيتُ كلَّ النّاسِ يفترسونها بعيونهم شفّافةً كانت، على خَفَرٍ ومن خَفَرٍ، تخبّئُ وجهَها، أمواجَ عينيها وما احْلَوْلَى على الشّفتين من “حَبِّ المُلُوكِ” رأيتُها تخفي مفاتنَها بأن وقفتْ كما المسمار واتَّخَذتْ جميعَ المُعجبَين وَرَاءَها، والوقِحين، ظِهْرِيًّا فلم تُظهرْ لهم إلاّ القليلَ من القليلِ متى أرادتْ لفتةً فتلفّتتْ.. هي فتنةٌ.. ولعلّها، من فرطِ ما ابتُلِيتْ به، في أوجِ دنياها، تمنّتْ أن تكونَ قبيحةً هي نجمةٌ لا كالنّجومِ كأنّها حوّاءُ في تفّاحةٍ أولى يُحرَّمُ لمسُها هي طفلةُ العشرين، في العشرين من ديسمبر، ابتسمتْ أخيرا، وهي في مترو “التّضامن ~ برشلونة”.. قلتُ: ما أحلى ابتسامتَها! ولم أرَ لي يدًا، من وقتِها.. انفصلتْ يدي عنّي، من التّلويحِ.. كم كانت مُنَعَّمةً وأنثى وهي في خَفَرٍ! وكم أحببتُ، من حبّي لها، لو أنّها خُلِقتْ لغير زمانِها هذا.. وتلك حكايةٌ أخرى.