- عبدالرحمن جماعة
يقولون: خبز الشراكة لا ينضج، فبينما ينشغل الشركاء في الجدال حول طريقة إنضاجه، أو حول كيفية اقتسامه، يكون الخبز قد وصل إلى درجة التفحم!. هذا إذا كان عدد الشركاء إثنين أو ثلاثة.. أما إذا كان عدد الشركاء سبعة ملايين فإن الجدال يبدأ قبل مرحلة العجن، وفي أحسن الأحوال يكون الخلاف أثناء العجن، وحول زيادة الدقيق، وزيادة الماء!. الإشكال ليس في الشراكة حصراً، وإنما في إدارة الشراكة، فثمة أشياء كثيرة ينبغي تحديدها قبل كل شيء!. وبما أن الحديث عن الوطن، فإن الشراكة فرضت علينا وليست من اختيارنا، فنحن خلقنا على هذه البقعة الجغرافية، ووجدنا من الموارد ما فيها!. بقي علينا شيء واحد وهو كيف نتعايش بسلام على هذه الرقعة من الأرض، وكيف نتقاسم مواردها بشكل عادل، وهذا لا يتم إلا برأس واحد وليس عدة رؤوس، لأن المركب إذا كثر رياسه يغرق!. إننا نتنازع على الموارد، وفي الحقيقة إن النزاع هو أهم أسباب ضياع الموارد، ولا يُمكن أن تتحقق الوفرة في الموارد إلا بالاستقرار والوئام ولمِّ الشمل!. إن ما نعيشه هو أشبه بحفلة شواء يكون المشوي فيها صقر، ولو تركناه لاستفدنا منه، ولو لم نأكله لأكلنا من مما يمسك علينا، فلا نحن انتفعنا منه، ولا هو أشبعنا بجسده النحيل!. ومع أننا لا تنقصنا المعرفة والدراية، إلا أن حالنا أشبه براعي غنمٍ وجد جوهرة ثمينة فأعجب بصلابتها وشكلها فاستعملها في دقِّ النوى ليعلف به أغنامه، ثم رحل وتركها كي لا تثقل عليه رحله، ظناً منه أنه سيجد غيرها حين إقامته!. وبالعودة إلى خبز الشراكة فإن القانون وحده هو الميزان الذي يضبط الحياة على ميقات النضج، أي بين النيوءة والاحتراق، وهو الذي يضبط مقادير التعايش والتعامل بين الشركاء، وهو المعيار الذي توزن به الأشياء، فلا نضطر إلى تشويط الصقور، ولا إلى تعظيم شأن الدجاج!.
خبز الشراكة لا ينضج، هذا عندنا، أما عندهم فقد نضج خبزهم، وتقاسموه بكل عدالة، وبكل تراضٍ، بينما نحن لازلنا نتقاتل على خبزنا، ولازلنا نأكله إما نيئاً أو محروقاً، معفراً بالتراب، ومُلطخاً بدمائنا، لا لشيء إلا لأننا اعتبرنا شعار (خبز الشراكة لا ينضج) شعاراً مقدساً، أو كأنه قضاء وقدر، لا مفر منه، ولا محيص عنه!.
ولكن ما هو السبب؟! ربما هي لعنة (شراب الغولة)، ذلك الزيت الأسود الذي لم نزرعه، ولم نصنعه، ولم نعصره، بل وحتى لم نستخرجه!. ولكن وبالتفاتة خاطفة إلى الوراء، وبإطلالة سريعة على التاريخ يمكننا تبرئة الزيت الأسود من كل ما شجر بيننا!. إن أجدادنا لم يكن عندهم بترول، ومع ذلك كانوا يقتتلون على أتفه الأسباب، ناقة عجفاء أو قليل من العشب الذى لم يكن لهم يدٌ في إنباته، ولا مجهود في زراعته، وغالباً ما يكون الاعتداء والظلم ميزة ومنقبة ومفخرة، وأحياناً يكون كوضع احترازي كما قال الأول: “ومنْ لا يظلمِ الناسَ يُظلمِ”.! ومن هنا نُدرك مظلومية الزيت الأسود، وبراءته من كل جهالاتنا، الأمر الذي يؤكد لنا أن ما نحن فيه ما هو إلا موروث ثقافي بالدرجة الأولى، إن لم يكن أمراً جينياً، وهذا الموروث هو الذي تسبب في تشويش مفهوم الدولة، ومفهوم السلطة، وعلاقة الإنسان بالدولة والسلطة، وعلاقة السلطة بالموارد، وحدود تلك السلطة!.
وباعتبار أننا لا نزال نعيش ذلك التاريخ وتلك الحقب دون أن يتغير شيء سوى بعض الأشذاب التي لا علاقة لها بالأصل، وبعض القشور التي لا علاقة لها باللب. وما دمنا لم نخرج من عباءة ذلك البدوي الذي يخضع للحاكم دون أي مبرر للخضوع سوى قوة وبطش ذلك الحاكم، ويتمرد على الحاكم دون أي داعٍ للتمرد سوى ضعف ذلك الحاكم وتقلص نفوذه، أما مسألة الحقوق فليست ضمن قائمة المبررات والأسباب، مادمنا كذلك فإن علاقتنا بالسلطة والدولة اليوم لا تختلف في شيء عن علاقة أسلافنا بسلطانهم الذي يُلقي بأكياس النقود في وجوه مادحيه حين يطرب، ويقطع رؤوس معارضيه حين يغضب!.
وأخيراً.. فإن مهمة أي سلطة هي إدارة الموارد البشرية والمادية، وضمان الحقوق، وتحقيق العدالة، وخلق وضع آمن ومستقر يصلح لأن يتعايش فيه الناس!. ولكن ما يمنع كل السلطات المتعاقبة من تحقيق ذلك هو الرغبة الشديدة في البقاء على سدة الحكم أطول فترة ممكنة، واستغلال كل إمكاناتها ووقتها في الإثراء الشخصي، والانتفاع على حساب مصالح العباد وصلاح البلاد!.