- مختار الورغمي
رحلت عنا هكذا دون وداع …رحلت أيها الفارس كما يرحل الكبار …غادرتنا دون ضجيج وتركت السّاحة فراغا في فراغ…أكتب بماء الدّمع ما تيسّر من كلمات في ذكرى وفاتك أيّها العزيز.
” نحبك صحيح نحبك ولا من ضربني على روس أصباعي” ويحبّك كلّ عشّاق الكلمة الجميلة من المحيط إلى الخليج فأنت الصّوت الذي لا ينسى.
“نا عقلي دليلي وأنت في عقلي الدليل يا عابر سبيلي وأنت وقفت الرحيل” بعد رحيلك ضاع الدّليل بل ما عادت عقولنا عقول حتى تستوعب رحيلك لأنّك ستظلّ في وجداننا صوتا عبّر عن كلّ ما في دواخلنا فكنت نحن وأنت تغنّي.
” لعمري أحلى ميعاد وين نلقاك ترجاني تاخذني عيونك لبلاد مفروشة أماني” …من يكتب عمرنا ومن يدندن بمواعيدنا ؟ نسألك يا شيخ محمد لمن تركتنا؟ نحن نعيش سنوات عجاف فقد شحّت سماء الأغنية العربيّة برحيلك وصارت قلوبنا بورا …ضاعت البلاد المفروشة أماني وصارت كوابيسنا أغاني .
” الليل تقاصى وأنا نرجى في المحبوب الليل تقاصى والشوق مدوبني دوب”…ما عاد اللّيل ليلا ولا عدنا ننتظر محبوبا وغادرنا الشّوق وحلّ محله جدب العواطف فصرنا شعبا بلا عاطفة . كم نحتاج من يغنّينا بصدقك وعذوبة صوتك .
” طق العود وطق مقاسه سمح لباسه مبرك يوم توافق ناسه” …بعد رحيلك نحتاج أغنية لحنها قيم البادية بعيدا عن الابتذال …نحتاج صورة رمزيّة بعيدا عن كلمات سوقيّة صرنا نسمعها في كلّ شارع وحيّ . نحتاج فنّانا كسَر القاعدة فصرنا نتغنّى بالحبّ دون خجل .
” مطلوق سراحك يا طوير وين ما تريد تعدي عدي” …مات الطّير في هذا الوطن بعدما قتلوا فينا كلّ شيء…رحيلك هو رحيل آخر طير كان عنوانا للرّبيع …رحلت وتركت خلفك كلّ الذين هاجموك وكأنّك تقول لهم ” ها قد تركتها لكم”.
” عالي عالي صوت الحق ينادي” كنت تعرف أن صوت الحقّ سيظلّ عاليا ورغم أنّك رحلت وقد تحوّلت ليبيا رمادا لكنّك رفضت المهادنة وصمدت في وجه القادمين من وراء البحر…النّخيل يموت واقفا يا محمد وهكذا أنت .
محمد حسن لم يكن مجرّد فنّان بل كان مدرسة …محمد حسن الإنسان رجل تشبّع بقيم البادية ولم يلوّثه زيف المدينة.محمد حسن غنّى للسّلطة نعم ولكنّه ظلّ وفيّا لقناعاته ولم يفعل مثل الكثيرين .
اليوم وفي ذكرى رحيل عملاق الساحة العربية من العيب أن لا نرى وسيلة إعلاميّة واحدة تتذكّر الرّجل…تلفزات التّفاهة لا يعنيها محمد حسن لأنّه فنّان مثقّف فنّان يحمل مشروعا ورؤية …هذه الأمّة لن تقوم لها قائمة مادامت بهذا الجحود فكل الكبار رحلوا وكأنهم لم يكونوا. رحل فنان الخيمة ليترك الأنقياء في العراء وقد حاصرهم الطّوفان.
رحم الله العملاق محمد حسن / مدنين