شادية القاسمي
يأتي الصّيف فيملأ قلبي غماً و ضيقاً …هكذا عشت منذ بلغت الثانية عشر من عمري …لا يحمل الصيف فرحَ العطلة و لا مرح البحر و لا شقاوة الأطفال …عندما يودّعنا الاساتذة أبكي و أبكي لأنني سأدخل في عطلة …و سأبدأ رحلة العذاب الصّيفي …الصّيف عند أمثالي يعني موسم جني الطّماطم و البطاطا ..موسم “البخّارة “التي تنخر أصابعي و تحفر في وجهي ..الصّيف يعني شمس حارقة لا تنتهي ..و “قاجوات “ثقيلة عليّ أن أحملها …يهدّدنا والدي أنا و أخوتي بقطعنا عن التعليم …و لذا علينا أن ننجح خلال السنة …يعيّرنا باللقمة التي يتحمل مصاريفها طيلة العام و هو ليس ملزما بأدوات مدرسية لا تنتهي …عرفنا فلاحو الجهة و صرت أنا و أختي من العملة الموسميين الذين يلتحقون بحقول جمع الطماطم …كنت أكرهها و أنا أجمّعها و أرصفها و أعالج صندوقها لسنوات كي يحمله “التراكتور” للمعمل أو لسوق الجملة ببير القصعة حيث تباع و توزع على كامل تراب الجمهورية ..كل حبّة طماطم تجدها أمامك هي نتاج عمل شخص تصهره الشمس و تذيبه خيوطها …تلك الحبة التي تقطعونها في أكلاتكم هي رحلة أياد متعبة ملزمة بالخروج في حرّ الصيف كي توفّر قوتا أو أدوات مدرسية …من يجلسون أمام أساتذتهم …كثيرون منهم كراريسهم ثمرة لتعب طماطم او عنب أو بطاطا…
ننجح سنويا بفضل حبّات الطماطم التي ترأف بنا صيفا و تعيل كراريسنا طيلة عام كامل …كنت أستعين على قسوة أبي و تهديده المتواصل بالالتحاق بالحقول كامل السّنة بحنان أمي و تشجيعها …رغم ضعفها أمام سطوة أبي الا أنها بثت فينا قوة مكنتنا من الوصول الى جني شهادة …شهادة علقتها أنا مدة خمس سنوات و وجدت في حقل الفلاح ملاذا أجمّع الطماطم صيفا و الجزر و السلق و غيرها من الخضر بقية الفصول …لألتحق ذات سبتمبر بمعهد و أنهي علاقتي للابد بالبخّارة و القاجو و الايسيزي و الوشاح الذي يلف وجهي كي لا تلتهمه الشمس بعد أن تركت فيه حساسية مزمنة ..
أدرّس الأن …أستاذة رقيقة أنيقة ربما لا أحد يعلم تفاصيل كثيرة عنّي …و أولها أنني أكره الطماطم …