كتبت / بية خويطر:
لازال الإخفاء القسري يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان مصنفاً إلى الجرائم ضد الإنسانية وأسلوبا استراتيجياً لبث الرعب داخل المجتمعات.
لم يقف الإخفاء القسري والخطف على الرجال أو الشباب فقط، بل طال حتى النساء، خاصة المدنيات البعيدات كل البعد عن الساحة السياسية وتجاذباتها، وقد تكون خولة الطاهر إعراب ذات 32 عاما- إذا كانت على قيد الحياة- أكثر من عانت من هذا الأمر لأعوام طويلة.
بداية القصة
خولة فتاة ليبية فقدت منذ أحد عشر عاماً تحديداً يوم (2011/9/4) كانت تقطن بمدينة مصراتة وترجع أصولها إلى مدينة الرجبان.
عرفت بخولة صاكال نسبة لأخوالها، حيث ترعرعت في كنف أخوالها نتيجة انفصال والديها منذ صغرها.
كانت خولة طبيبة بصريات تبلغ من العمر عشرين ربيعا حينما فقدت، كانت متفوقة في دراستها، صديقة الجميع شغوفة محبة للحياة، وفور تخرجها تحصلت على الإيفاد الدراسي خارج البلاد وبدأت تستعد للسفر لإكمال دراستها ولكن القدر كان له رأي آخر.
قررت عائلة خولة المناصرة للنظام السابق الخروج من مدينة مصراتة فور اندلاع أحداث 17 فبراير واشتعال الحرب عام 2011 متجهة إلى مدينة سرت ومن ثم إلى مدينة طرابلس ثم إلى بن وليد وصولا إلى الجفرة وسبها.
تروي لنا رزان شقيقة خولة واقعة اختفائها ومصيرها المحتوم:” مكثت العائلة في مدينة سبها و ذات يوم قرر نوري أحد أخوال خولة الذهاب إلى مدينة سرت المحاصرة في ذلك الوقت ، للاطمئنان على زوجته ورؤية مولوده الجديد، وحينها أصرت خولة على الذهاب رفقة خالها قاصدين بيت أهل زوجته في ظل انقطاع خطوط الهواتف الخلوية وجميع وسائل الاتصال مؤكدين رجوعهم خلال يومين لا أكثر”
تابعت ” مضى يومان على ذهابهم ولا نعلم إذا كانوا وصلوا إلى مدينة سرت أم لا ولا سبيل للوصول إليهم، حينئذ تحصلنا على هاتف ثريا وبدأت المحاولات في الوصول إليهم حتى تمكنا من الوصول إلى أخ زوجة نوري ليؤكد لنا وصولهما للمدينة وإقامتهما يومين ومن ثم غادرا المدينة متجهين لمدينة بني وليد رفقة شخصين من نفس العائلة وصديقهم “
تضيف:”تمت مشاهدة خولة وخالها نوري بمنطقة السدادة بطريق النهر من قبل أحد الأشخاص وتم إخبارنا بذلك، ولكنهما لم يصلا إلى مدينة بني وليد ومن هنا بدأت الأقاويل، ولا أثر لخولة ومن معها، وفي ذلك الوقت كانت طريق النهر تحت سيطرة كتيبة النمر وكتيبة الحلبوص التابعتين لمصراتة ، بدأت رحلة البحث عن المفقودين حيث تم تأكيد خبر تفجير المركبة التي على متنها أبناء العائلة وصديقهم، في حين تمت الرماية على مركبة نوري، وإصابة قدمه وتم نقله رفقة خولة لسجون مصراتة بحسب أقوال الشهود المتواجدين في ذات المكان ،تعددت الأقاويل واتفقوا على دخول خولة ونوري لمدينة مصراتة حيث تم نقل نوري لسجن الثقيل، ووضع خولة في اتحاد الثوار”.
رحلة البحث
التجأت العائلة لحكماء من المنطقة الشرقية وأهلها من الرجبان للتواصل مع كتائب مصراتة حيث تم تأكيد تواجدهم ولكن تم نقلهم إلى مكان آخر، تواصلت العائلة مع منظمات حقوقية محلية ودولية، وطلبت المساعدة لمعرفة مكان احتجازها.
وفي عام 2013 تفقد الهلال الأحمر سجون النساء بمصراتة، حيث تم التعرف على اسم خولة من بين قائمة السجينات، وتم إبلاغنا بذلك، وعلى الفور تم التحقق من أنها مدنية ولا داعي لبقائها في السجن، حيث أكد مدير السجن لوفد المنظمة أنه في انتظار ذويها لاستلامها.
وتتابع:” انطلق أخ خولة وابن عمها من مدينة الرجبان للتعرف عليها، وإذ بمسؤولي السجن في ذاك الوقت ينكرون وجودها نهائياً، تم التعرف على نوري من خلال شاشة التلفاز على إحدى القنوات التابعة لمصراتة، سنة 2016، ولكن لم يتم تحديد أي سجن على اعتبار أنها حملة تطعيم لأكثر من سجن، والغريب أنه تم ملاحظة بتر رجله تماما كما وصفه شهود العيان.
تقول :”سنوات والعائلة ضائعة بين الأقاويل، أصبحنا نصدق كل ما يقال، تماما كالغريق المتعلق بقشة ، حيث تم إبلاغنا أن خولة موجودة في سجون طمينة (ضاحية من ضواحي مصراتة) وكانت النتيجة كسابقتها ، تكتم وإنكار، تحطمت آمال العائلة ، ولكننا بقينا على أمل بأننا سنجبر ذات يوم.
تابعت رزان:” في عام 2018 تواصل معنا شخص مجهول الهوية على رقمنا الشخصي وأخبرنا أن خولة بحوزته، داخل مصراتة، وأنه على استعداد لأن يسلمها لعائلتها مقابل مبلغ مالي، وبطبيعة الحال وافقت العائلة، واشترطت عليه قبل دفع أي مبلغ أن يرسل لنا صورة ثابتة أو متحركة بتاريخ ذلك اليوم، وافق ولكنه رفض إرسال ذلك عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، واقترح أن يرسله في ذاكرة (فلاش ممري) مقابل مبلغ آخر (15 ألف دينار ليبي) غير مبلغ التسليم.
تضيف:” وخاب أملنا من جديد، لا يمكنني نسيان ذلك اليوم الممطر، وأنا أركض باحثة عن جهاز اللاب توب بين المارين وأصحاب المحلات التجارية لتشغيل الذاكرة لم يطقني صبر لأصل به إلى البيت، وكانت المفاجأة، لا يوجد أي صور أو مستند بالفلاش، متسائلة، لماذا كل هذا التلاعب بالمشاعر الإنسانية؟ انهمر الجميع بالبكاء وتحطمت مجاديف الأمل ولكن هذه المرة الوجع أكبر بكثير”.
تقول رزان : تواصلنا مع وزارة الشهداء والمفقودين ، ومنظمة الهلال الأحمر ، وتقدمنا ببلاغ للنائب العام ، وتم فتح محضر شرطة بالخصوص ، ولكن لم تأخذ الجهات المعنية القضية بجدية، لازالت العائلة تتعرض للتهديدات في كل مرة تحاول إيصال صوت خولة للعالم”
وأضافت “كل الأقاويل والبحث طيلة السنوات يكاد أشبه بالمحاولات الشخصية، حتى أنه تم ضياع ملف DNA ، وكأن الأمر متعمد”.
أنكرت رزان الإشاعات المتداولة حول إعلان العائلة عن وفاة خولة عبر القنوات الليبية، وأن الفتاة المعذبة في الفيديو المتداول لم تكن خولة، زاعمة أن من وراء اختفاء خوله هو من يبث إشاعات وفاتها.
تضيف:” وأنا أتصفح الفيسبوك وإذا بصفحة تنشر قصصا عن خولة وهي داخل السجون، وادعى مسؤول الصفحة أنه كان يشاهد خولة داخل أحد السجون ، وأكد أنه تم قتل خولة و4 سجينات أخريات بعدما أحيل آمر السجن الذي به
خولة إلى مكان آخر.
وتسترسل :”ولكن للأسف فجأة تم قفل الصفحة في غضون دقائق ولم نعرف مدى مصداقيتها ولم يتواصل معنا أي شخص بالخصوص”.
رأي القانون
ومن جهته قال المستشار القانوني عقيلة محجوب:” إن دورنا يقتصر على التوعية بأن الإخفاء القسري والتعذيب والتميز للمسجون جريمة يعاقب عليها القانون بحسب ما نصت علية المادة في القانون رقم 10 لسنة 2013.
وأكد محجوب أنه شهدت ليبيا جرائم شنعاء وحالات إخفاء قسري وتعذيب ضد الرجال بناء على توجههم السياسي، ولكن لم تعتد المناطق الليبية على أن تحصل بها مثل هذه الجرائم ضد النساء لأن الفتاة تنتمي لعائلة موالية للنظام السابق من الناحية القبلية ولهم توجه فكري معين.
ونوه المستشار إلى أنه إذا ارتكب شخص يعمل مع مسؤول سياسي أو إداري أو قائد عسكري أو الشخص القائم بأعماله أو قوات تخضع لإمرته، أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون ولم يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع ارتكابها أو كشفها مع قدرته على ذلك فإن المسؤول يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وتصل العقوبة في حالات الخطف والإخفاء إلى 7 سنوات، كذلك الحال للجهات الأمنية في حال تقدم أهل الضحية بالشكوى ضد الكتيبة المختطفة ، ولم تتخذ تلك الجهة أي إجراء بالخصوص فإنها تعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المواد السابقة.
وأضاف:” أن ليبيا تعمل وفق الإعلان الدستوري الصادر في 3 أغسطس 2011 فأي قانون يتعارض مع هذا الإعلان فهو باطل، حيث تنص المادة على أنه من حق كل إنسان حرية التعبير، وتجريم كل من يحاول إسكات الفرد عن البوح برأيه.
وأشار إلى أن المواثيق الدولية الموقعة عليها الدولة الليبية هي أعلى من القوانين وأدنى من مستوى الدستور، وكل المواثيق والقوانين تعطي الحق للمرأة في التعبير عن رأيها وتجرم كل من يحاول إسكاتها أو إخفاءها.
ونبه إلى أن الوضع القضائي خلال السنوات الأخيرة متحسن مقارنة بالمراحل السابقة بسبب الظروف والفوضى التي مرت بها البلاد وتعطيل المحاكم، فقد تم تفعيل القضايا الجنائية وإصدار الحكم فيها.
وطالب عائلة المفقودة بالتوجه إلى النائب العام ، ورفع دعوة ضد الأشخاص أو الجهة المشبوه فيها في ذلك الوقت ، وفتح التحقيقات من جديد، مع إحضار كافة الدلائل والصور المأخوذة لخال الضحية المفقود معها في نفس الحادثة عندما شوهد في أحد سجون مصراتة على شاشة التلفاز ، وعند إثبات أنه هو بالفعل فحتما سيثبت القضاء وجود خولة داخل مصراتة.
كما يطالب برفع دعوة ضد وزير الداخلية ووزيرة العدل ، وضد رئيس الوزراء بالحكومة ، ومدير السجن ، وأي جهة لم تأخذ القضية بعين الاعتبار وحاولت إخفاء الحقيقة.
تمر السنوات ثقيلة كئيبة على قلوب عائلة وأحباء خولة ومسيرة البحث مستمرة، ويبقى السؤال الأول والأخير أين خولة؟!.