تَنّوَه ” مايشبه ترسب التجارب والمعرفة ”
- سعاد سالم
يمكن تمييز هذا النظام عن غيره بصفة محددة تتكرر في نتيجة حتمية لهذا النوع من الأنظمة، وهي نتيجة جانبية لايبالي بها من يخلق هذا النظام لأن هدفه الاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة،ولأنها تسهّل وتطيل من عمر سلطته كفرد أو جماعة، أو في حال اقتسامها بين فريقين يعطي كل منهما الشرعية للآخر، قلت أن النتيجة الجانبية لتطبيق هذا النظام هو أن تفقد المفردات المهمة قيمتها، بسبب ترديدها من قبل هذه السلطة، مثل الحرية في مفردات الدكتاتور،والفضيلة في مفردات الشيوخ، وستقولون لماذا يكثر تريددها أصلا؟
وهذا سؤال جيد، وجوابه: لأنها مفقودة تماما في هذا النوع من النظام ، ولابد في نظام مؤسس على إلهاء الناس- أن يغيب عن الناس أن من شدة غياب الميزتين الحرية والفضيلة عند السلطة، تحرص بطريقة لاواعية على وجودها في تنظرياتها وفي رذاذ الخطابات السياسية والخُطب الدينية و بكثرة، ولأن الناس المشغولة دون مبرر في بلاد زي ليبيا بأدنى سلم الحاجات، سيتبنون تلقائيا مفرداتها المفرغة من أي تطبيق، ثم سيتعاملون مع من يعطون للحرية والفضيلة وجود واقعي على أنهم أعداء، كيف؟ لأن السلطة البشعة اللي حاطة الناس في شكارة كما أسلفنا كانت استهلكت المفردتين،فارتبطت بهما، ولأنها أنظمة كريهة سيكره الناس دوتها الفارغة، ومن جانب آخر هو تصريح قانوني من السلطة بتبني قيمة والتصرف عكسها، إنها الطريقة الفعالة لافساد الحياة الاجتماعية ،لتتساقط باقي الحيوات التي تسند هذا المجتمع.
خريطته
1-الاحتكار بخلق مراكز قوة
قبل أن تتشنج حنجرة الفنان محمد حسن حتى تلائم البطولات والانتصارات في الشعر الذي يغنيه ، كنت مغرمة ببيت ثوري حقا في أغنية له في الثمانينات وبصوته الذي لم يتشنج بعد تقول : مانبّوش منازل هانا، مانبّوش ثراء / على حساب الناس العرقانة وحساب الفقراء/ مانبّوش مراكز قوة ، خلّينا ضعفاء، خلّينا جبناء/ نبّوا الناس سوا يالقايد. الأبيات الحكيمة التي توقف بثها، في رد واضح من السلطة وقتها على هذا النوع من الأفكار في الأغاني ، نبّو ومانبّوش ليس دور الناس، بل دور أب الشعب ، فمن الردود الذي كان يجيب بها مدير في الصحافة عندما استخدم مفردة نبّي كذا وكذا فيرد: إبّي ، وهذا بالضبط ما تفعله مراكز القوة مع أغنية برغم احتفاء مطلعها : فكر بلادي فكر الكتاب الأخضر، غير أنها أثارت حفيظة السلطة ومراكز القوة وقتها، لحساسيتها تجاه كلمة نبّوا (الشعب يريد) ، و حظرت لتطاولها على المعلّم والمنظّر ، فتوقفت إذاعتها في الأجهزة المرئية والمسموعة للشعب الليبي الحر السعيد ومنذ ذلك الوقت وصولا إلى حاليا لم يعد أحد يكتب تنظيرات شعرية لتغنى، أمّا مراكز القوة ساعتها والآن ، صنعت خصيصا لتكون حصنا للمستبد مهما كان نوعه، جيشهم هم الغالبية المحرومة والتي تلقّط رزقها القليل من فرص العمل الشحيحة ومن الخدمات التي تخلقها الرفاهية لمجتمع مراكز القوة .
وإن ثمة من يتساءل عن ماهى مراكز القوة هذه؟ إنها ياسيدتي وسيدي مجموعات من الأشخاص الذين يتمتعون بميزات خاصة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وذلك على حساب باقي أفراد المجتمع، مراكز تخلق عمدا لإشاعة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والذي و بدوره يزيد من منح الفرص لهذه المجموعات، فيتفاقم التمييز والعداءات والتوتر في المجتمع، كما وأن هذه المراكز ذات النفوذ السياسي والمالي بالطبع تستفيد من باقي أفراد المجتمع المحرومين من التنافس، وذلك في استخدامهم كعمال لمراكمة المزيد من الأموال وبالتالي النفوذ، وهكذا!
لابد عرفتم الآن الأشخاص والمجموعات المشكلة لمراكز القوة الحالية، حيث يجب أن توجه اهتمامك وأنت تشتري بنقود كثيرة حكة طماطم صغيرة، فلاتفكر في التاجر بل في مَن مِن مصلحته أن يستمر تخفيض القيمة الشرائية للدينار، وحينما تتدنى جودة التعليم لا تفكر في المعلم ،بل فيمن سيطر على كتابة المناهج الدراسية، وخلّى التعليم اتكيّة لزيادة دخل الأسر ، وحينما لا تعرف ماهي حقوقك كمواطن إلا من خلال قانون العقوبات، لاتفكر في المثقف، وفي غلاء الكتب ، بل في مَن مِن مصلحته تأخير أو تجيير الدستور لصالحه ، إي نعم ، إنها مراكز القوة ، القديمة والجديدة، لذا استمر في وضع المشكلة ، ثم فكر من صاحب المصلحة في بقائها أو خلقها ،وستعرف من هي مراكز القوة في المجتمع، ستتعرف عليها مهما ارتدت من أقنعة الوطنية، أو الحرية ، أو الفضيلة، أو التدين ، أو العلم والخبرات والشهادات الأكاديمية ، وهى التي لايريد نظام ذهاب الشيرة أن تستخدم غضبك أو حنكتك أو ذكاءك أو الثورة في مواجهتها،وفي حالة لاحظت وثُرت، ستلقي مراكز القوة المستبد الذي أوجدها، فريسة لثورتك في نهاية مألوفة في الحكمة الليبية: ياحافر حفرة السوّ، راسك مغلاقها!
2-التقليل من قيمة الأب في الأسرة، وهي مهمة سهلة في وجود مراكز القوة الآنفة الذكر، فالأب بمعناه الجندري، أي الوظيفي في العائلة، كمعيل أساسي في الثقافتين الاجتماعية والدينية ، والأب بمعنى السلطة في الأسرة ،بما يمثله من أمان ، وحماية، وتأثير، واستقرار ستقلص السلطة السياسية ومعها مراكز القوة الدينية ، صلاحياته وستقرّضها رويدا، حتى أنه لن يكون له دور، مهما كانت مهنته، طبيب ،استاذ، مهندس، شرطي،ممرض، سكرتير، حارس لبوابة مصنع متوقف عن الانتاج، لأنه ليس من الأقلية المخصوصة بالفرص وتاليا المال والنفوذ، وفي ذات الوقت يتم ترسيخ أبوية السلطة السياسية ممثلة في الحاكم ،و كما هدمت الأبوة في الأسرة ، تمكن لها للقايد أو المرشد أو الفقيه، وتحول المجتمع بما فيهم الأب العاجز عن تلبية حاجة أسرته بكل أشكالها المادي والمعنوى،إلى مجتمع ناقص أهلية، وفي هذه البيئة الصعبة للغاية تتفوق الإناث،كما بالتأكيد لاحظتم، وذلك بسبب اعتيادهن العمل والنمو تحت ظروف مشابهة للاستبداد السياسي، في معادله الاجتماعي النظام الذكوري ،مايشبه صراع للبقاء في ظروف تهيئ الحياة للذكور هن فيها المتاع وسقطه ، التفوق بسبب قدرتهن على تحمل العمل تحت الضغط، لم تستطع ذكورية المجتمع تفسيرة إلا كتفوق مشبوه، هو المتشبع بدونيتهن لن يمكنه مواجهة تفوقهن إلا بالطعن في أخلاقهن، ونوايهن،فيتجه لمحاصرتهن وزيادة الضغط عليهن بفرض المزيد من القيود على وجودهن في الفضاء العام ، و خلق بيئة معادية لهن، متحالفا مع مراكز القوة التي جردت الذكور من امتيازاتهم، لنعود تاني لقلب الرحى ، أو الشكارة ،بعودة الجدل في مسائل تجاوزها الزمن، هل يحق لها قيادة السيارة ، وحكم الشعرة اللي طالعة من التستمال، ورأي الفقه في حواجبهم، ونوع الملابس الداخلية، عوض النظر إلى مَن مِن مصلحته تقويض مفهوم الأبوة في العائلة، وخلق معن سياسي له، ليشحذ العداء لهن من قبل الذكور الذين فقدوا امتيازاتهم تحت سلطة الدكتاتور باعتباره الذكر الوحيد الذي يحق له التميز على باقي الفصيل، وهو فقط اللّي يبّي ومايبّيش لكن ولكم ولي.