محمود السوكني
يذهب البعض إلى أن (طوفان الأقصى) يعد من سنن الكون الإلهية ، وهو قول لا جدال فيه إذا ما تأملنا ملابسات حدوثه والنتائج التي افرزها وتداعيات ما آلت إليه الأمور التي كانت قبل وقوعه من سابع المستحيلات ولا يمكن للعقل البشري أن يتنبأ بحدوثه حتى في دائرة أحلام اليقظة.
هذا الحدث/المعجزة ليس عملاً بشرياً خالصاً بكل المقاييس ؛ لأن أكثر الحالمين تفاؤلاً لا يمكن له أن يتخيل أن هؤلاء الفتية الأبرار بأسلحتهم البدائية المصنعة محلياً يمكن لهم أن ينجحوا في إسقاط وهم (الجيش الذي لا يقهر) ، وأن يخترقوا أشد الحصون صلابة رغم مايحيط بها من سياج مدجج بأدق التقنيات العصرية يرصد حركة أصغر الكائنات ويحصي أنفاسها .
هذا الحدث الجبّار الذي إستطاع إيقاظ العالم من سباته وتنبيه سكان الأرض على إختلاف مشاربهم وتباين عقائدهم إلى قضية مأساوية عمرها خمس وسبعين سنة أو يزيد لا يمكن أن يكون نتاج فكر بشري ولا هو صنيعة أحد ادركناه أو سمعنا به ؛ هو تدخل إلهي بامتياز جاء ليحسم أمراً تجاوز المعقول ، وفات حدود المسموح به.
كانت القضية قد بيعت وانتهى أمرها بعد أن وصلت إلى قرب التطبيع مع بلاد الحرمين وهو إذا ما قدر له أن يتم فإنه لم يعد هناك سبباً يمنع بقية (الأشقاء والمعارف) من أن يحدو حدوهم وتسقط القضية إلى قاع النسيان بل وتحذف من الذاكرة إلى غير رجعة .
هذا الطوفان/الإعجاز هو الذي جعل مشاهير العالم من كتاب وشعراء وفنانين وغيرهم من السياسيين ممن كانوا حتى الأمس القريب أخلص الناس لما يسمى زوراً ب(إسرائيل) ينددون بحكومة الإحتلال ويطالبوا بمحاكمة رموزها .
كيف تأتى لشعب أعزل يموت جوعاً أو قتلاً أن يتمسك بالبقاء وبإمكانه أن يجتاز الحدود الواهية وهو الذي حقق معجزة السابع من إكتوبر ؟ أليس هذا من فعل الخالق وتدبيره ؟
الكفتان غير متكافئتين بكل المقاييس العلمية ، وبالتالي فإن ما يحدث على الأرض الفلسطينية ليس إعجازاً بشرياً يمكن القبول به ولكنه حتماً سنن إلهية لا يمكن للعقل البشري التنبؤ بحدوثها ولكن بالإمكان إدراكها والتبحر في معانيها لمن يعلم قدرة رب الأرض والسماء وحكمته في إدارة الكون وصنع ما يعجز البشر عن الإتيان به ، سبحانه قادر على كل شيء.