احتفتْ مدينة نابل التّونسيّة أيّام الخميس والجمعة والسّبت (23-24-25) من أيّار الجاري بثلّة من الشّعراء الوافدينَ من مُختلف البلدان العربيّة(السّعوديّة-سوريا-ليبيا-العراق-تونس). يشهدُ هذا الملتقى دورته التّأسيسيّة الأولى تحتَ إشرافِ مندوبيّة الثّقافة نابل حيث توزّعت الفعاليّات على كلّ من دار الثّقافة حسن الزرقلي قربة ودار الثّقافة محمود المسعدي تازركة بحضورِ شعراءَ ونقّاد وفنّانين وتشكيليّين وموسيقيّين ومسرحيّين.
أُحيِيتْ فعاليّات المُلتقى ثلاثة أيّام حيثُ إنّ هذا النصّ المعاصرَ لم يقتصرْ على النصّ الشعريّ فقط وإنّما نجدُ المعارضَ التي احتفت بالنّصوصِ والإصداراتِ الأدبيّة المنشورةِ عن دار زينب للنّشر. نجد كذلك النّصوص التّشكيليّة التي أثّثتها الفنّانة الجزائريّة عائشة سعيد حدّاد. إنّ خصّيصة المعاصرة لا تقتصرُ على النصّ المكتوبِ وإنّما تطالُ النصّ البصريّ ولعلّ معرض الفنونِ الحامل لعنوانِ “بريشتِي..أتجدّد” إنتاج دار الفنون التّشكيليّة بالمركّب الثّقافيّ الشّبابيّ تأصيل لسمك التجدّد والمعاصرةِ.
مُزج المسرحُ بالشّعر في الملتقى العربيّ، فصدحت أصواتُ المسرحيّين بأصوات شعراء من مثلِ “كمال بوعجيلة” ، “محمود درويش” ، “الصغيّر أولاد حمد” والشّاعر “محمّد العربي”. وقد وُسم هذا العرضُ بِعنوان “لديّ فكرةٌ ما” من إخراجِ المنجي اللّملومي.
مُداخلتانِ نقديّتان أثّثتا الأيّام الثّلاثة:
“النصّ الأدبيّ المعاصر وإشكاليّات التّصنيف” للدّكتور شفيق الطّارقي.
“شعريّة التّفاصيل” للأستاذ مجدي بن عيسى.
وتقديمُ الإصداراتِ الأدبيّة الجديدة مثّل رهانا من رهاناتِ المُلتقى إذ قدّم الشّاعر رضوان العجرودي نصّ الشّاعرة إيمان الفالح “معطفٌ لسيّدة الرّمل” وقدّم الشّاعر لطفي الشّابّي نصّ سفيان رجب “قارئة نهج الدّبّاغين”. أمّا عن الشّعر فإنّ حديثنا فيه نصّ على النصّ. أصواتٌ شعريّة ألّفت بانوراما جماليّة مغزلها شعريّة مرهفة وفدتْ من مختلفِ البلدان العربيّة. ففي اليوم الأوّل، هتفَ صوتٌ من سوريا، وفائي ليلى صوتٌ قد اتّسم بالجدّة فأوغل في التّجريبِ مفعما بذاتيّته، وقرأ لنا معزّ ماجد نصوصا من ديوانه “مدائن الماء” فسارَ بنا شعرُه سيرَ الماءِ. برز صوتِ ابراهيم زولي الشّاعر السّعوديّ بشذراته التي يُفصّلها ويحبكها وينظمها مثلما ينظُم المقصّد قصيدَهُ حاملا إيّانا عبر ديوانه ” شجر هارب في الخرائط” إلى جغرافيا المكان. تحملنا عائشة سعيد حدّاد الشّاعرة الجزائريّة إلى عوالم المرأة جاعلة لها ولنا جناحينِ، وحلّقت بنا في عوالمِ النّسويّة النّاصعة. ومن الجزائرِ، تحملنا الشّاعرة نيفين الهوني إلى ليبيا، فقالت بصوتٍ جميل: ليبيا التي نريدُ” فطبعت بشعرها الدّهشة على وجوهِنا. تُطبع الدّهشة أكثر حينَ التقط لنا الشّاعر التّونسيّ أحمد زعبار تفّاح المحبّة إذ هو يكتُب قصيدة النّثر وقصيدة التّفعيلة والقصيدة العموديّة. أمّا الشّاعر التّونسيّ جمال الجلاصي فإنّه كعادتِه صوتً شعريّ مسرحيّ، لمْ يقرأ شعرا وإنّما ألقاه بيديهِ على قلوبِنا.
تتجدّدُ الجزائرُ دائما مع الشّاعرة الجزائريّة سلمى لميس المسعي، صوتٌ مُتغلغل في دقائق التّفاصيل، تفاصيلِ الجُرحِ. هو مشهدٌ شعريّ تتابعَ في ثلاثةِ أيّام، تباينت الأصواتُ الشّعريّة بفرادتِها وخصوصيّتها. فجميل العمامي صاحبُ النّدوب الشّعريّة، حضرَ بألقهِ وحساسيّته. مثنى ابراهيم القادم من العراقِ أيقظَ في قلوبنا ما يحدثُ في العالمِ اليوم،رضوان العجرودي الشّاعر التّونسيّ رأسه يطلّ من نافذتينِ دائما، نافذتاهُ نصفا قلبِه وصدرهُ مرميّ إلى الشّعرِ. لطفي الشّابي شاعرٌ تونسيّ نعى عزيزا، فعبقَ شعره بروائح الأسبقينَ فنضحتْ ثنائيّة الرّوح والرّوع. أمّا أفراح الجبالي وأميرة كرم وزَهرة القاضي نساءٌ صغيرات وُلدن بنصوصٍ جميلة، أصواتٌ أنثويّة رقيقةٌ موغلةٌ في رهافةِ الشّعرِ والشّعريّة.
المُلتقى العربيّ للنصّ المُعاصر نُصَّ في اللّغةِ أوّلا، ونُصَّ بشعرائهِ وفنّانيه ومسرحيّيه، نُصَّ بِمقدّميهِ الشّاعر محمّد العربي والأستاذة زُهرة سليمان.
فعسى أن تبقى مدينة نابل التّونسيّة ضاربةً بجذورِها في الإبداع الشعريّ والتّجارب الشّعريّة الصّاعدة.
زَهرة القاضي
شاعرة تونسية