مشاعر مألوفة!

مشاعر مألوفة!

تنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة 

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

اللوحات على يسار الداخل ولكنني كنت بالداخل على أي حال فأنا موظفة في مول للمستعمل، لكنني في فترة الراحة أذهب إلى الأماكن التي تعيدني للبيت ، لرسومات شقيقتي على الجدران ، وكنت سأسحب كلامي عن إنزال تلك اللوحة العملاقة من على حائط وسط الحوش، مشروعها للتخرج (غسيل السجاد) ، لا أشتاق للعراك لكنني أشتاق لرائحة الحوض المملوء بالنباتات ولو عدت كثيرا أشتاق إلى كل تلك الفوضى في الفناء الخلفي لبيتنا ثم كيف يصير مقبولا ما أن يأتي العيد الكبير، فيما ظلت هذه البلاد هولندا ،لوحة جميلة وعملاقة أشاهدها من خلف زجاج غرفة المعيشة، وهكذا أشاهد الفصول تتبدل والناس يركضون ويتمشون  فرادى و عائلات ومع الكلاب ، ويقبلون بعضهم فيما أراقب الحياة من خارجها ، الإندماج أن أستعيد سمعي وأرى الألوان وأن ينقّز صوتي على السلّم الموسيقي ،مثل صوت ليندا صاحبة الكلب القصير حين تمط  تحيتها لأحدهم  تحت نافذتي :هال لوووو .

الكَحّة في سنوات كورونا، في الأماكن العامة، وفي المواصلات، بدت مثل الله أكبر ، صفارة إنذار تجعل الناس يركضون في كل الاتجاهات بعيدا عن الخطر ،ولأن الحوض في كوجينتي جزء من النافذة التي تفتح على الممشى المشترك لأبواب الشقق، أهمس بالتكبير كلما وضعت البيض تحت الماء لأغسله، ولحسن الحظ لم أعد اكتم كَحّتي حتى يكاد حلقي ينفجر.

لم يعد المشي بالكعب العالي في الشارع وقيادة السيارة والهروب إلى البحر عادات سهلة ، وفي المقابل حصلت على مطر كثير والقطار والدراجة وعدد لابأس به من الأحذية المسطحة ، وسرعة في المشي بمعدل النصف فوق سرعتي في شوارع طرابلس ،وصفر من المتفحصين والمتفاصحين، اتبع  المسارات الزجاجية المشادة في كل مكان ، فاللطف الذي يغسل السلوك العام يوميا، لا يكسر الزجاج.

يكرر الناس والتلفاز والخبراء ووزير التعليم وعمداء البلديات قصة الإندماج ويعتقد أغلب هؤلاء المرتاحون لكلماتهم أن على الهولنديين الجدد أن يبدلوا جهدا أكبر في هذا البند الذي أطاح بالكثير من المحتالين على قروض وزارة التعليم وفرغت مجهود معلمي اللغة من الفائدة ، إذا الاندماج الذي لا يراه أحد ولن يحسبه أحد ،ضمن مشوار التكيف، أن مشيتي تغيرت ، محتوى خزانة ملابسي تغير ، انخفضت درجة الحرارة التي أشعر فيها بالبرد ، تبدل معنى الانعزال وأستبدلت الأحضان بابتسامات، وبعد الكورونا لم نعد نتصافح.

لم أنظر لنفسي كضحية ، لأن حنّاي تقول : ماتخليش نفسك تغلبك ، كنت لاأرى هذه الكلمات بل أراها ولكن هنا بدت لامعة أكثر ، او ربما هي ذاتها لكني صرت بعيدة عنها فاتسعت الرؤيا وضاقت العبارة، كما قال النفري، صرت خارج كل تلك الكلمات والنصائح والتعاليم ووصفات الطعام، حتى بدت كلها كخارطة كنز وأمضي بفضلها كما لو أنها خارطة طريق.

ناتلي الثالثة، رغم أنه إسم فرنسي بالأساس، أو هكذا يقال ، غير أنه منتشر في هولندا في فئة عمرية متقاربة منتصف السبعينات وحتى الثمانينات ، لهذا خلال عام ونصف كنت اشتبكت بعلاقات عمل مع ثلاثة ناتلي في ثلاثة أمكنة مختلفة عملت بها،  للأسماء دلالات هنا أيضا، عميقة وبالغة التعقيد أحيانا مثل تسميات البنات التي تمثل دائرة عائلية من ثلاثة أسماء (مركب) وهناك الاختصارات وعلى عكسنا فهى رسمية أيضا، ثم يأتي الجانب الذي نتشابه فيه، تسمية الأولاد(ذكورا وإناثا) على أسامي الأجداد كانت حتى السبعينات خارج النقاش.

يو (you) ليس كل موظفي المكتبة زي بطل مسلسل يو ، يعرف الكتب ويقدم النصائح، وبالتأكيد ليسوا سفاحين مثله ، حتى أن بعض الموظفات هنا، أعني في المكتبة العامة بروتردام يسألن عن صحة كتابة كلمة ما،لكن ييني زميلة العمل الهولندية قالت لي مرة فيما تقدم لي كتابا مقترحا لقراءته : سعيدة أنني غير مضطرة لتعلم لغة جديدة.(الكتاب كان قصة لمستوى تلاميذ الصف الرابع أو الخامس بالكثير)

Ik weet het niet أين يذهب المال ؟ هكذا ألقيت سؤالي ببعض الغيظ ،وسط تلك الصالة التي ابتكرها لكل العالم إنكيفار*،وانتظرت جوابا من زميلتي صغيرة القد بتنورتها الزرقاء بحمالتين ظريفتين ، إنها ترد برفع كتفيها الضيقين وإرخائهما، اك فيت هت نيت (لا أعرف)، ثم رقصّت حدقتها مثلما راقصة شرقية ، فيما تقترب برأسها لتقول: لاأحد يعرف، كنا نقف بالقرب من حامل الثياب الذي جرته إلينا مديرة الشيفت لنعيد ترتيبها ، الصالة الكبيرة مملوءة بالملابس المستعملة وروائحها، كنت محطمة وأشعر بالغثيان .

الخيل يعرفني؟ أجلس في الشرفة في القيلولة الغائمة ، التي تلعب فيها الشمس بالشعاع الحنون ، وأسمع صهيل الخيل ، فخلف الأجمات لا يمكنني رؤية الكثير ، لمحات قليلة من جسد الحصان أو الفرس ، أنها تدريبات القيلولة ، وتخدرني مشاعر قديمة أنفثها هنا تحت الشمس اللذيذة ورائحة (نحّول) الحصان الضخم الذي ركبته في القايلة أيضا ، في الساحة الجرداء بنادي بوستة ، كنت أكبر مجموعة المبتدئين لهذا منحني عمي عبدالله شرف قيادة الطابور الطويل من المتدربين ،أحيانا اتقدمهم على الفرس (مردقوشة)

كل شيء مثالي ولكن علم النفس يقول هذا خلل في الشخصية ، إذ يحاول المثالي اثارة اعجاب شخص لا يلاحظه وإن لاحظه لايرضى عن أداءه ، لهذا نحن المحرومين من الرضا نسعى للكمال في اللاوعي ، ربما لهذا كنت أنظف بيتي وأقوم بكل المهام بنظارة القراءة ، لأرى البقع وأدعكها جيدا ، ثم اجلس إلى طاولتي محاطة بالنظافة والترتيب ، أقوم من مكاني الآن لأعدل انحراف طفيف في اللوحة .

العادات ،سأبغض أي شخص ربما حاول أن يفسد نسق عادات راكمتها منذ سنوات دون أن أتعمد حتى ، لهذا أفهم الآن كيف تجلس أمي تشرب قهوتها فوق طاولة المطبخ بكل هدوء وفي اللاونيدينو الكبير أكوام الصحون والأكواب ، كنت أقف هناك بأحكامي ، وازأر في داخلي حانقة ، كنت فتاة حانقة على الدوام .صرت الآن أترك بعض الأكواب في المجلى ،وسريري كموقع تفجير ، وقد أجلس لأشرب قهوتي او شاهي الكمون الحلو فيما الملابس يهزها الريح والمطر ، تقول تاتشر أنها غير مستعدة لأن تموت فيما تغسل الفناجين، قبل قليل كنت أقول : أنا أفعلها، لكن ليس بعد الآن.

______ إنها قمم جبال الجليد في تجربة العيش في هولندا.

*انكيفار= مؤسس ومالك ايكيا IKIA 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :