تُشير تقارير حديثة بالإضافة إلى عدة وقائع إلى تصاعد مُلفت في أعداد الأطفال والقصر الذين يقصدون السواحل الأوروبية من غير ذويهم ، فما أسباب ذلك ؟ وما هي دلالات تلك الوقائع ؟ وما الذي يجعل الأسر تقدم على المخاطرة بأبنائها ؟
تُثير ملفات هجرة القاصرين دون ذويهم جدلاً شديداً على مستويات متعددة ، فما الذي يدفع عائلة لأن تترك أطفالها – وخصوصاً القصر منهم – يواجهون أمواج البحر الأبيض المتوسط ويخوضون مخاطرة الوصول إلى السواحل الأوروبية في رحلة مرعبة ؟ و لكن هناك من يخاطر بأبنائه كمشروع هجرة عائلي .
بحسب قوانين لم الشمل في ألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، فإن معظم المهاجرين القاصرين بدون ذوويهم (تحت سن الـ18) بإمكانهم لمّ شمل عائلاتهم (الأم والأب). هذه الإمكانية ربما تدفع الكثير من الأهل للتفكير بإرسال أولادهم إلى أوروبا بمفردهم
عندما نقوم بملاحظة تجربة الهجرة غير النظامية وخصوصاً في جنوب المتوسط سنلاحظ أن مسألة الهجرة تحولت مع الوقت من مشروع فردي كان يقوم به الشباب عادة – وخصوصاً الذكور وغالباً دون علم العائلة – إلى مشروع عائلي لم يعد يقتصر على الشباب، خاصة مع تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها من المتغيرات التي تتحكم في موضوع الهجرة.
عندما نبحث و نتقصى عن وضعية الدوافع وراء هجرة القاصرين نجد أن لديهم إصرار شديد على الهجرة، بل إن بعضهم قال إنه حتى لو مات واحد من الأبناء فإن الباقي سيصل إلى أوروبا، ما يجعلنا نقول إن فكرة الهجرة أصبحت مشروعاً لدى البعض سيستمر حتى ولو كانت هناك تضحيات مؤلمة ، فإن اكثر الإحصائيات لرحلة المهاجرين القُصر هي من ” سوريا و مصر و بعض الأفارقة من جنوب الصحراء ”
ما يحدث من تصاعد لعدد المهاجرين من الشباب و القصر يدل على وجود أزمة كبيرة تعيشها دول بعينها ، أن حالة فقدان الأمل يمكن لمسها بالنظر إلى أحوال الشعوب و كأن هذه الدائرة تتسع بشكل كبير لتضم العديد من دول المنطقة مع تراجع إحساس الناس بإمكانية تحسين أوضاعها في مجتمعاتها بالتالي أصبح الحل الأخير بالنسبة لها هو الهجرة.
إن ذلك يأتي في الوقت الذي حدث فيه تغير كبير على مستوى العقليات، فهذه الأجيال الصغيرة في السن تعدت حدود الدولة الوطنية، وما كان محترماً من أفكار في العقود السابقة لم يعد يحظى بهذا الاحترام من جانب الأجيال الصغيرة التي قرر بعضها الهجرة إلى أي مكان تجد فيه ظروف عمل وحياة أفضل ومستقبل أكثر استقراراً، على ما في قرار الهجرة من مصاعب ومخاطر.
وتشير التقارير إلى أن السلطات في عدة دول جنوب البحر المتوسط تجد صعوبات في عمليات اعتراض المهاجرين أو إنقاذهم بسبب نقص المعدات.
ومع تحسّن الأحوال الجوية تتزايد وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية انطلاقاً من السواحل الليبية و التونسية نحو إيطاليا وتنتهي أحياناً بحوادث غرق.
فإن دول المنطقة لديها إمكانيات ضعيفة كما أن قدرتها على التحكم في مثل هذه الظاهرة ضعيفة خاصة مع تحسن الأجواء في البحر المتوسط في هذه الأوقات وأيضاً لوجود تنظيمات شبه دولية للهجرة تمارسها عصابات التهريب و الإتجار بالبشر ، حيث ان عملية عبور البحر المتوسط أصبحت عملية اقتصادية كبيرة ولم تعد مجرد عمليات هجرة يقوم بها شباب معزولون هنا أو هناك، بل أصبحت ما فوق وطنية ، و تشير بعض التقارير إلى أن تخوف الدول في الأساس من الهجرة ليس من تصاعد عدد الشباب الذين يقدمون على الأمر، و إنما أن ترتبط الهجرة بالإرهاب بأي شكل أو بتهريب السلاح أو المخدرات، هنا سيكون الموقف مختلف تماماً، لكن إذا توقف الأمر على الهروب من البلدان لتحسين الأحوال الاقتصادية أو الهروب من المشكلات السياسية و الاجتماعية فإمكانيات الدول لا تساعدها على التحكم في كل شيء ، الدول الأوروبية مهمومة للغاية بقضية الهجرة لأنه لو ضعفت دول جنوب المتوسط بشكل متزايد كما هو حاصل في ليبيا مثلاً وكما يمكن أن يحدث في بلدان أخرى فمن الممكن أن يهدد ذلك استقرار الدول الأوروبية بشدة، خاصة وأن بعض دول جنوب المتوسط تمارس عملية ابتزاز سياسي مستغلة في ذلك ورقة المهاجرين .
وتثير قضية هجرة الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم قلقاً متصاعداً في دول الاتحاد الأوربي، خاصة مع تصاعد أرقام الأطفال الوافدين إلى الاتحاد، إلى جانب الوفيات المتزايدة التي تحدث بينهم، إضافة إلى شكاوى من منظمات حقوقية مختلفة تتحدث عن وجود مخالفات متعددة بحقهم منها استضافة بعضهم في أماكن مخصصة للكبار فقط وتزايد احتمالات تعرضهم للعنف والمخاطر الشديدة سواء من جانب المهربين وتجار البشر أو السلطات الأمنية بالدول التي تستقبلهم.
و ما ترتب على ذلك فإن المهربين يسيئون معاملة القصر المهاجرين وغيرهم من البالغين أثناء تجميعهم و ركوبهم البحر لأوروبا، وأن غالبيتهم إما كانوا شهوداً على تلك الأعمال أو عرضة اعتداء جنسي شخصي بارتكاب الانتهاكات، وفقاً لروايات الأطفال أنفسهم، فقد أصبح العنف الآن جزءا لا يتجزأ، ولا مفر منه، من تجربتهم في الهجرة، و أظهر العديد من الأطفال – لاسيما غير المصحوبين بذويهم – علامات إيذاء للنفس ومحاولات للانتحار وتعاطي للكحول والمخدرات، وتم استخدام هذه الاستراتيجيات السلبية لمواجهة الإجهاد والمشقة، بينما سعى بعض الأطفال إلى الحماية من خلال المشاركة في أنشطة إجرامية وجنسية مع المهربين وغيرهم من البالغين.
محمود الطوير
باحث متخصص في شؤون الهجرة