محمود السالمي
قراء فسانيا الاعزاء …
البحث عن المعنى فى الاغنية قد يجعلك تلامس اطرافا ناعمة غضة فى شجرة الابداع ، والبحث عن المعنى الجديد قد يدفع بكاتب الاغنية او كاتب النص الشعري الى التحليق عاليا فى اجواء مشحونة بدفء العاطفة ورقة المشاعر ، فنحن حينما نسمع هذا المطلع :
ياولافنا كيف نحملوا فرقاكم * واحنا بدينا عمرنا بغلاكم
نعرف ان هناك ابداعا فى البحث عن المعنى الجديد ، وان نص الاغنية تلعب فيه الصياغة الشعرية دورا كبيرا فى ايصال المعنى للمتلقى الذى يقدر بلا شك اهمية ان يبدأ الانسان عمره بالمحبة ، وللبداية دائما طعمها الذى لا تخطئه النفس التى تبحث عن دفء مضى وعن انس انتهى وعن ايام لا تعود ، لا لشىء الا لأن للايام وللدهر دورة وصولة تغيير ما كان راسخا وتمحو ما كان مرتقبا من سعادة ، استمع معي لهذه الاغنية :
ياولافنا كيف نحملوا فرقاكم * واحنا بدينا عمرنا بغلاكم
شن بدلكم علينا ** بعد غية وشفنا غيركم
انكانهو خطاء من شورنا زعلكم ** ياما حملنا من عذاب خطاكم
ليش غيبتكم علينا ** ونحن موالفين رفعتكم
كنتوا معانا طيبة عشرتكم ** واليوم ليش منا الفراق خذاكم
والابداع فى استجلاء المعنى ، قد يجعل من الاغنية عصية على القدم ومن السهل ان تدرك حقيقة ان بعض النصوص لا تموت ولاينالها التأكل او التلاشي ، ولاتخضع لقيم الانتهاء لاعتمادها على معاني قديمة اذا قدرناها بالسنوات ولكنها متجددة لقبولها مبدأ التطور والتوافق مع العصر الذى وجدت ايا كان .. والاغنية حينما تتفرد يسهل تقديمها اذا اعتمدت فى الاساس على روح التجدد ورب سائل يسأل ، هل بالامكان اعادة تقديم اغانينا القديمة والباسها زخرف الاغنية الحديثة ؟ البعض قد لا يوافق على شيء كهذا ، بالنظر الى ما آل اليه حال الاغنية الحديثة التى صارت تمسخ كل قديم وتحيله الى هيكل هزيل لا حياة فيه ، ولكننا هنا نظيف ان السبب الرئيسي لقبول الاغنية للتغيير وفقدانها لروحها هو فى الاساس الضعف فى البنية الاولية للاغنية ، فالاغنية ليست مجرد رص للكلمات بقدر ما هي بحث عن تأصيل لمعنى او فكرة واعتماد الاغنية على معنى وفكرة يجعلها عصية على المسخ والتغريب ، فمن منا لم يردد صغيرا :
هايم بيك وعيونى سهارى * قلبي معاك متولع بناره
ومن منا لم يرددها بعد ان اعيدت صياغتها وقدمت بوجه جديد احتفظت فيه بروحها حتى اننا لا نكاد نلمس تغييرا فيها ، فالمعنى فيها ثابت وهى مؤسسة لتبقى ، استمع معي :
هايم بيك وعيونى سهارى * قلبي معاك متولع بناره
هوا وسط قلبي ** ما يدريش بحبي المخبي
نبي انبوح خايف ما يلبي ** ايزيد الشوق وعذابه مرارة
هوا اللي فى بالي ** وطيفه دوم ما فارق خيالى
بنشاكيه ونحكيله بحالى ** لقيته صعيب ما عرفتش اقداره
نوصفله حوالي ** يامقواه شاغلني غزالى
انموت حذاه ما نلقى كلامي ** نهفا فيه ما نقدر خسارة
والابداع لا ينتهى بمجرد كتابة الاغنية ، فقد تحمل الاغنية مفهوما جديدا لا ندركه ، ونحن كثيرا ما نردد عبارة نعيب زماننا والعيب فينا ،، وما لزماننا عيب سوانا
وتشير واحدة من الاغاني الليبية الى هذا المعنى حينما تؤكد ان فهم الناس للحب هو الذى جعل من عاطفة الحب مزيجا من المفاهيم غير الواضحة ، الى الدرجة التى تم فيها تشويه المعنى السامى للحب ، وكل ذلك لعدم ادراك الناس للمعنى الحقيقي للحب فنحن حين نطالع الاغنية التى تقول :
عاهدتني اتصون المحبة بودك * واعدتني ما يوم تخلف وعدك
وصدقت فى كلامك ** ودللتني بغرامك
تسلملى وكل مناي ** مانشوف يومه بعدك
وليش ايقولوا فى الغناوي ** الغلا يجرح ما ايداوي
وليش ايصوروه بجرح ** وبالاحزان يملا الحكاوى
العيب منهم من خطاهم ** ولو فهموغ الحب هناهم
تسلم لى يا تسلم لى ** وكل مناى ما نشوف يومه بعدك
شوف الدنيا ياحبيبي ** حلوة مليانة امانى
وشوف النهار شمسه محبة ** والليل انجومه اغاني
العيب منهم من خطاهم ** ولو فهموه الحب هناهم
تسلم لى يا تسلم لى ** وكل مناى ما نشوف يومه بعدك
جميلة هى اغانينا ورائعة هى معانيها ، والاروع ان نفرد جوانب بحثية لاضهار ما تحمله من مفردات ومعانى هى انعكاس لمجتمعنا الذى احتفظ بطابعه و بأصالته وبنكهته وعكسها فى اغانيه .. ترى هل نحن محتاجين لنؤسس لدراسة عملية لكل هذه الاغاني الرائعة لعلنا بذلك نسهم فى اعطاء الكتاب الاوائل حقهم ، وندفع بأغانينا الى الامام لعلها تجد من يأخذ بيدها ويضفى عليها لمسة التجديد دون ان يفقدها معناها وروحها واصالتها ، وكم نحن محتاجين لكل هذا .
دمتم طيبين …