السخرية في أدب النيهوم

السخرية في أدب النيهوم

  • عبدالرحمن جماعة

في إصدار جديد للدكتور علي برهانة(1) يتناول جانباً مهماً في أدب الصادق النيهوم، وهو (السخرية)(2). الصادق النيهوم كاتب مثير للجدل، وقد تناوله العديد من البحاث بالنقد بين مناصر ومؤيد له، وبين معارض ومخالف له.

لكن الدكتور علي برهانة ينأي بنفسه عن كل ذلك، إذ يكرس بحثه ويسلط الضوء على هذا الجانب، ويلتزم بهذا الخط من أول صفحة في الكتاب إلى آخر صفحة، وهو الذي عُرف عنه منهجيته الصارمة في تناوله لأبحاثه.

ولكن لماذا اختار الدكتور علي برهانة (السخرية) في أدب النيهوم؟ وهل السخرية ذات أهمية بحيث يتناولها باحث أكاديمي في وزن علي برهانة؟

يبدأ الكتاب باستعراض تاريخ السخرية في الأدب العالمي والعربي، بداية من تاريخ اليونان القديم فقد عرف الكثير من الفلاسفة ومنهم سقراط بأسلوب السخرية، ومروراً بالأدب العربي الذي عرف الكثير من الأدباء والشعراء الذين تميزوا بالسخرية منهم الجاحظ وأبو نواس وغيرهم. إذن.. فالسخرية لم تكن نمطاً حديثاً في الكتابة، لكن هذا حسب تخميني ليس سبباً كافياً للكتابة عن السخرية، أو لعله سبب كاف لتناول السخرية بشكل عام، لكن أن تقوم دراسة على السخرية في أدب كاتب بعينه فهذا ما يدعو إلى التساؤل. بالتأكيد هناك دراسات تناولت السخرية في أدب كاتبٍ بعينه، لكن السؤال المشروع الذي يطرحه أي قارئ أو ناقد هو: لماذا اختار هذا الكاتب دون غيره؟! وللإجابة على هذا التساؤل يمكننا أن نورد النقاط التالية: •

براعة النيهوم في السخرية

. • أن سخرية النيهوم ليست لمجرد السخرية، أو لإثارة الضحك، وإنما هي معالجات لقضايا فكرية وفلسفية

. • في الغالب تكون السخرية على حساب جدية الطرح، لكن هذا ما لم يحدث في كتابات النيهوم، خاصة وأن النيهوم مفكر بالدرجة الأولى

. • أن القضايا التي ضمَّنها النيهومُ أدبه هي قضايا معاصرة، شديدة الارتباط بواقعنا، ولا تزال تشغل الباحثين والمفكرين، وليست قضايا تاريخية عفى عليها الزمن

. • تفرد النيهوم بأسلوبه الساخر، أي أنه لم يعتمد على الأساليب القديمة التي أشبعت بحثاً ودراسة

. • أن هذا الجانب من أدب النيهوم غير مطروق، إذا ما استثنينا بعض الرسائل العلمية هنا وهناك، والتي لم يكتب لها الانتشار. وتنبع أهمية السخرية من قوة تأثيرها، فالكلمة الساخرة لا تناقش ما تسخر منه، وإنما تلغيه إبتداءً، وتؤسس لمفهوم جديد مغاير تماماً لما سبقه.

إذن.. فالكلمة الساخر قد تفعل ما تعجز عنه عشرات الخطب والمقالات، لأن الكلمة الساخرة تقوم بعمليتي هدم وبناء في نفس الآن. ومن هنا يمكننا القول بأن اختيار الدكتور علي برهانة لهذا الجانب من أدب النيهوم كان شديد الأهمية، خاصة وأنه تناوله بموضوعية وحيادية، إذ أن أغلب الدراسات والأبحاث حول كتابات النيهوم وقعت في فخ التحيُّز أو التحامل بسبب كون النيهوم كاتباً مثيراً للجدل، وغالباً ما ينبش في زوايا مظلمة، وينكأ جروحاً مؤلمة!. الكاتب اعتمد في دراسته على ثلاثة أصناف من أدب النيهوم وهي: (المقالة، القصة القصيرة، الرواية)، واستطاع أن يرسم ملامح لغة النيهوم، ويحددها في أربع نقاط:

1. الاعتماد على اللغة المتداولة القريبة من اللغة الشعبية

. 2. التكرار للألفاظ والجمل

. 3. الجمل ذات المحمولات البديهية.

4. البناء العجائبي (الفنتازيا) “الاعتماد على الغرابة في اللغة. وختاماً.. الكتاب؛ وإن كان قد كُتب بأسلوب رصين، ومنهجية علمية، إلا أنه ليس موجهاً للباحثين والأكادميين فحسب، بل هو يستهدف جميع القراء، وخاصة أولئك الذين شدَّهم أسلوب النيهوم، واستمتعوا بقراءة أدبه، وهو بلا شك يقدم فائدة عظيمة لكل من خاض أو أراد أن يخوض مجال الكتابة الأدبية.

ـــ 1- الأستاذ الدكتور علي محمد برهانة باحث وناقد أكاديمي، مؤسس مركز المأثورات الشعبية، ترأس جامعة سبها في فترة سابقة، وله العديد من المؤلفات

. 2- الكتاب بعنوان: “سيد الحكاية”، وعنوان فرعي: “السخرية في أدب الصادق النيهوم”، يقع في 120 صفحة، من القطع المتوسط، صدر عن دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :